القديم يتجدد، إحياء المادة الثامنة مكرر من مشروع قانون المالية لسنة 2017 في قالب المادة التاسعة من مشروع قانون المالية لسنة 2020
فاطمة الزهراء عبيوي .
عرض وزير المالية و الاقتصاد و إصلاح الإدارة محمد بن شعبون مشروع قانون المالية لسنة 2020 أمام البرلمان بمجلسيه بتاريخ 21أكتوبر2019 ، والذي يستشف منه أنه لم يقلب الصفحة القديمة ، و ظل متشبتا بما جاءت به المادة 8 مكرر من مشروع قانون المالية لسنة 2017 رغم ما أثارته هذه المادة من جدل قانوني و سياسي في أوساط متعددة في الصحافة و الإعلام و من أساتذات الجامعات و من أقطاب القضاء و هيئات المحامين ، ليسلك نفس الطريق من خلال المادة التاسعة من مشروع قانون المالية لسنة 2020 التي أعطت الحق للإدارة المحكوم عليها و للآمرين بالصرف الحق في تنفيذ الأحكام و القرارات بميزانياتهم دون تحديد مدة زمنية لذلك ، كما أعدمت حق المواطن في المطالبة بالحجز على ممتلكات الشخص العام المحكوم عليه .
لتكن بذلك قد اغتصبت مبدأ الوحدة الموضوعية لقانون المالية الذي لا يمكن أن يتضمن مواضيع خارجة عن المواضيع المحددة بموجب المادة السادسة من القانون التنظيمي رقم 130.13 و التي تنص على أنه :” لا يمكن أن تتضمن قوانين المالية إلا أحكاما تتعلق بالموارد و التكاليف أو تهدف إلى تحسين الشروط المتعلقة بتحصيل المداخيل و بمراقبة استعمال الأموال العمومية ” حتى لا يتم استغلال قانون المالية كمطية لتمرير فرسان موازنية حكومية أو برلمانية ، و هو ما يعرف فقهيا بقاعدة ” الفرسان الموازنية ” التي تستدعي حذف جميع المقتضيات التي لا تمت بصلة لقانون المالية ،و ما ورد في المادة التاسعة لا يمكن هضمه و التغاضي عنه لأنه امتطى قانون المالية فرسا.
و جاء خارج إطاره القانوني ، ذلك أن الموطن الحقيقي لموضوع الحجز هو قانون المسطرة المدنية الذي يجيز الحجز أثناء سريان الدعوى و عند التنفيذ ، و ذلك بمقتضى المواد 433 و 448 و من المادة 452 إلى 462 ، و هكذا جاءت المادة التاسعة أجنبية على مشروع قانون المالية مما يستدعي حذفها ، هذا من جهة .
و من جهة أخرى ، فإن المتمعن في كواليس المادة التاسعة من مشروع قانون المالية سيجد أنها جعلت من الأحكام و القرارات القضائية وعاؤا فارغا حيث جردتها من صيغتها التنفيذية مخالفة بذلك مقتضيات الدستور الذي ينص في الفصل 126 على أن ” الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع ” فمصداقية القضاء و هيبته لا تقاس فقط بالأحكام التي تصدر و إنما بمدى تنفيذها ، إذ لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ له .
ناهيك عن الأضرار الجسيمة التي يلحقها عدم التنفيذ أو التأخير فيه بالمحكوم له ، مؤثرا بالتالي على مصداقية الأحكام القضائية المكتسبة لقوة الشئ المقضي به ، سواء صدرت ضد الدولة أو ضد أحد الأجهزة أو المؤسسات التى تتولى الرقابة عليها تكريسا للفصل السادس من الدستور الذي يؤكد على أن ” القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة ، و الجميع ، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين بما فيهم السلطات العمومية ، متساوون أمامه ، و ملزمون بالامتثال له “.
كما تضرب المادة التاسعة عرض الحائط الخطابات الملكية السامية التي تدعو إلى الرفع من جودة الأحكام القضائية و تسريع وثيرة معالجة الملفات و تنفيذ الأحكام كأولوية لبلوغ الإصلاح المنشود .
ولا تتوقف الانعكاسات السلبية للمادة التاسعة عند حدود اغتيال الأحكام القضائية و العصف بحقوق المواطنين ، و إنما تتجاوز ذلك لتعرقل سير عجلة الاقتصاد من خلال إحباط المستثمرين ،فالاستثمار هو ذلك الطائر المهاجر الذي لا يستقر إلا إذا توافرت له أسباب الاستقرار ، و أسباب الاستقرار بالمغرب ستبقى معلقة على إلغاء المادة التاسعة من مشروع قانون المالية .
و جدير بالذكر أن الأعذار التي تمسك بها محمد بن شعبون لتبرير و الدفاع عن مقتضيات المادة التاسعة من المشروع هي أعذار واهية ، ذلك أنه كما للدولة و للجماعات الترابية و للمؤسسات العمومية التزامات تثقل كاهلها فإن الأمر ذاته ينطبق على الأفراد و الشركات الخاصة التي تتموضع موضع الخصم ، فكيف يعقل أن تتشبت الأشخاص العامة بحقوقها في مواجهة الخواص ، و تحرم خصومها في المقابل من التشبت باستيفاء حقوقهم من الدولة ؟ إنه لتناقض صارخ يمس لا محالة بثقة المواطنين في نزاهة القضاء ، و يعطل محتوى الأحكام القضائية، و في هذا الصدد يؤكد جلالته على أن ” المواطن يشتكي بكثرة من طول و تعقيد المساطر القضائية و عدم تنفيذ الأحكام و خاصة في مواجهة الإدارة ، فمن غير المفهوم أن تسلب الإدارة المواطن من حقوقه و هي التي يجب أن تصونها و تدافع عنها ، و كيف لمسؤول أن يعرقل حصوله عليها و قد صدر بشأنها حكم قضائي نهائي ” .
نرى أن أعلى سلطة بالبلاد تدعو إلى عدم تعكيل المواطن في الحصول على حقوقه ، بل و تؤكد على ضرورة الإمساك بيده حتى يستفي تلك الحقوق .
و لا يخفى أنه توالت على البشرية أنظمة سياسية متعددة منذ آلاف السنين و شهد التاريخ مولد و ازدهار ممالك و امبراطوريات عظيمة ، ثم سجل أفولها و سقوطها بفعل عدم احترام مبدأ فصل السلط و عدم المساواة الفاضح أمام القضاء ،و هو نفس السرداب الذي خطونا نحوه خطوة بعد المصادقة على المادة التاسعة من مشروع قانون المالية من قبل مجلس النواب مع بعض التعديلات والتي لا نراها كافية و فعالة ، و لذلك يبقى الأمل معلقا على رفضها من قبل مجلس المستشارين .
تحليل في صميم 👌