لماذا تعثرت “جماعة بوانو” في تنظيم مهرجان مكناس؟
زايد الرفاعي
حضيت العاصمة الإسماعيلية بتنظيم دورتين ناجحتين “لمهرجان مكناس” أحدهما في 2016 والآخر في 2017، وتويجا لنجاحه، كان من المفترض إقامة دورة ثالثة له خلال الشهر الساري، لاسيما أن مكناس تصنف ضمن أفضل عشرة مدن في العالم، إلا أن قطار هذا العرس الثقافي تعثر تزامنا مع انقلاب قطار بمدينة بوقنادل، فتم إصدار قرار التأجيل إلى أجل غير مسمى.
-إستياء عن قرار تأجيل مهرجان مكناس
تعد مدينة مكناس مدينة غيورة بالفطرة، تنتفض في وجه مختلسيها، ليس فقط المختلسين لخزائن وصنادق المال المخصص لتدبير الشأن المحلي، وإنما على كل من ينوي اختلاس هويتها وثقافتها وثراثها، هذا الأخير الذي استطاعت من خلاله أن تحظى سنة 1996 أن تسجل لدى منظمة اليونيسكو في قائمة الثرات العالمي، واحتفاء بمرور عشرين سنة على هذا الحدث القيم، تم تنظيم مهرجان لأجل المضي قدما بواجهة مكناس، وبما أن فعالياته مرت عبر أجواء إيجابية على صعيد جميع المستويات، اتخدت جماعة مكناس المهرجان عرفا ثقافيا ملتزمة بتنظيمه سنويا بإشراك الجمعيات والهيئات المدنية الغيورة على إسم المدينة، وعليه؛ أقيمت دورة ثانية لقيت بدورها ترحيبا واستقبالا كبيرين من لدن الساكنة والزائرين والمثقفين وكل الفاعلين المهتمين رغم بعض الإنتقادات التي وجهت للمسؤولين عن المهرجان.
لكن؛ كان من المقرر هذا الشهر، على جماعة مكناس تنظيم الدورة الثالثة “لمهرجان مكناس” استثمارا لنجاح نسختيه الأولى والثانية، ولا سيما أن الأبعاد الثقافية والتاريخية والثراتية للمدينة تلعب دورا نوعيا في نجاحه وتيسير مهام تسييره، بينما على حين غرة يصطدم المكناسيون وكل الشركاء والمهتمين بهاته التظاهرة الثقافية، بقرار مفاجئ مفاده؛ “تأجيل المهرجان” من وقته المحدد ما بين 23 و 27 أكتوبر من الشهر الساري، إلى وقت لاحق لم يعلن عن تاريخه، مما جعل العاصمة الإسماعيلية تنتفض ضمنيا وتستاء علنيا من هذا القرار المجحف شكلا ومضمونا.
-فشل في تنظيم الدورة الثالثة لمهرجان مكناس
كان من المزمع تنظيم الدورة الثالثة لمهرجان مكناس خلال هذا الشهر، الأمر الذي تجندت له المؤسسات العمومية -المحلية والوطنية- وهيئات من المجتمع المدني وجمعيات من مختلف الفروع، فخسرت أموالا وألغت مواعيدا وسطرت برامجا، لا لشيء سوى مشاركة جماعة مكناس هذا التراثي، بشكل يليق بالواجهة السياحية للمدينة الإسماعيلية، ومن أجل الرفع من الصورة الثقافية للمملكة ككل، لكن جماعة بوانو كانت لها وجهة نظر مغايرة، من خلال إصدارها بلاغا يشير إلى قرار تأجيل المهرجان دون ذكر حتى سبب التأجيل وتبرير واضح لذلك، مما دعا بالفاعلين والشركاء إلى طرح العديد من الإستفهامات ووضعها بين مئات الأقواس، نظرا لغموض القرار وعدم جلاء ملامحه، خاصة وأن القسم الثقافي للجماعة يعرف ملابسات وصراعات سياسية بين أعضائه ومسيريه، ليتم التساؤل: هل تأجيل المهرجان فشل هيكلي خارجي، أم مشكل مادي داخلي؟ وهل للبيان الذي أصدره مجموعة من المثقفين في الدورة السابقة دخل في هذا التأجيل؟
هل تأجيل المهرجان تمهيد لإلغائه؟
بدأت مدينة مكناس تعود إلى واجهة الركب التنموي بعدما تم تهميشها وإقصاؤها لسنوات معدودات، فقط دورتان ناجحتان لمهرجان ثقافي جعلا مكناس تستحضر مجد عهدها الإسماعيلي، وأن تصبح واجهة سياحية بفضل ما تزخر به الحاضرة من مؤهلات تراثية كساحة الهديم وقصر المنصور والقصر البلدي وهري السواني.. وأبوابها التاريخية التي تسر الناظرين من الزائرين، وما تتفرد به من نسيج فولكلوري فسيفسائي يتنوع مابين الصوفية والعيساوية والأمازيغية، إضافة إلى متحف يضم وثائق وخطوطات وتحف تاريخية، هذه الخصوصيات تشكل عاملا رئيسا للترويج للحاضرة الإسماعيلية ولتنوع مؤهلاتها، بإعتبارها رافدا من روافد التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة، ومنه؛ فإن التأجيل الذي يحيل إلى إلغاء محتمل له انعكاسات سلبية على صورة اللجنة المنظمة، وعلى القسم الثقافي للجماعة الذي نهج سياسة الإرتجال وعدم المسؤولية في احتضان تظاهرة أضحت عرفا ثقافيا لدى المكناسيين ومثقفيها وفاعليها، يفتخرون بها وطنيا ودوليا، لذا يعد هذا الحفل النوعي قاسما مشتركا رئيسيا بين جميع المكناسيين وليس ملفا من ملفات القسم الثقافي للجماعة حتى يتم تأجيله دونما إبداء سببا واضحا لذلك، مما جعل المثقفين الغيورين يقولون: “اليوم تأجيل وغدا إلغاء”.
صونا للمال العام، مهرجان واحد يكفي...
يبدو أن القسم الثقافي لمدينة مكناس لم يستفد من الأخطاء والإنتقادات الموجهة إليه زهاء النسختين السابقتين للمهرجان، فمضى عبر سياسة ارتجالية تفتقد للتنظيم السلس، والمسؤولية في تبني مقاربة تشاركية تلتزم بالبرامج المقترحة من لدن جمعيات المجتمع المدني والهيئات المنخرطة ضمن اللجنة المنظمة، بهدف تجسيد الرسالة الروحية والتراثية للمهرجان، من أجل المساهمة في خلق فرجة بناءة ورواج تجاري وسياحي للحاضرة.
لكن؛ عدم إستعاب جماعة مكناس لأهمية احتضان هذه المكونات، وإنفراد القسم الثقافي في اتخاذ القرارت يشير (تجاوزا للإستعارة الجارحة) بأنها قاصرة على تحديد الهدف الأساس من هذا المهرجان، الأمر الذي جعل فاعليين مدنيين يطرحون سؤال: ما الهدف الذي تروم إليه جماعة بوانو من مهرجان مكناس، وهل خلف قرار التأجيل أيادي لوبية تمهد إلى إلغاء محتمل.
وهنا؛ لابد للإشارة من أن التنمية الثقافيةليست من الإختصاص الذاتي للجماعة، بل هي اختصاص مشترك تعمل الجماعة على الإسهام فيه حفاظا على خصوصيات التراث المحلي وتنميته، إذ أنها تمارس ذلك بشكل تعاقدي، إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجماعة.
وبالإحالة إلى ميزانية الجماعة، يفترض أنها تتوفر على ميزانية ملحقة للأنشطة الثقافية والفنية والرياضية بمبلغ سنوي قدره 5 مليون درهم، أي؛ نصف مليار سنتيم تهدر دون أي موازنة مالية بين المصاريف والمداخيل، كما أن الجانب الثقافي لا يقتصر على الميزانية الملحقة بل يتغذى من الميزانية الرئيسية من خلال عدة فصول من الميزانية، تصل قيمتها إلى 11445000.00درهم.
أي ما يمكن من خلاله تنظيم مهرجان عالمي تنافس به العاصمة الإسماعيلية أنجع المهرجانات الدولية، عوض هضر المال العام دون حسيب أو رقيب في أنصاف المهرجانات التي تتعدد ألقابها وأشكالها دونما هدف أو غاية تذكر.
وإلى حين جلاء ملامح التأجيل، وإجابة المكناسيين بمثقفيها وفنانيها وفاعليها على الردود التي تروج إلى إلغاء محتمل للمهرجان، نرفع أصواتهم التي ينادي ب “مهرجان واحد مسؤول ومنظم بعيدا عن الإرتجالية يكفي” و “ماذا تريدون من مهرجان مكناس وهي أهدافكم؟”