الحوار أفقا لجودة التدريس

عيسى بوسحابي
يعتبر الحوار من أهم الوسائل التي يستعملها الأشخاص فيما بينهم لتحقيق التفاهم والتعايش سواء مع بني جنسهم أو مع باقي الكائنات الأخرى بصرف النظر عن الطريقة أو الوسيلة أو الغاية منه ولطالما كان الحوار أمرا جوهريا في حياة بني البشر منذ فجر التاريخ فقد كان الإنسان يلجأ للحوار مع الغير لقضاء أبسط حاجاته وذلك راجع لكون الإنسان اجتماعي بطبعه. وما يؤكد هذا هو اكتشافنا اليوم لطرق كانت تستعمل الحوار استعملت قبل الميلاد، ففضلا عن الحوار ولاتصال الشفهي والإشارات والإيماءات فقد اكتشف علماء الأثار والأركيولوجيا العديد من الوسائل الأخرى والجديرة بالذكر كالكتابة التصويرية أو الهيروغليفية التي استعملها المصريون القدامى، السامريون بل والصينيون كذلك…
ورغم اختلاف الثقافات و تباعد المسافات بين الأمم في عالمنا إلا أن الحوار كان دائما و لا يزال الحل الأنجع لتبديد كل هاته الاختلافات و تذويب كل المفارقات التي تكون بين الأنا والغير فقد كانت الشعوب منذ الأزل تراسل بعضها عبر الحمام الزاجل أو بإرسال رسائل يحملها أشخاص على أقدامهم او باستعمال الجياد.
ولأجل كل هذا وذاك ولما للحوار من أهمية بالغة ودور حساس في حياتنا جميعا صار من الطبيعي بل من الضروري تدريسه لجميع أطفالنا في المدارس منذ الصغر بوسائله وتقنياته وتفاصيله، فالطفل قدرة كبيرة على الاستيعاب والتعلم بل إن قواعد الحوار وأدبياته ستبقى راسخة دائما وسهلة الاستحضار للإنسان طول عمره إن هو تعلمها وتشبع بها في صغره.
ومن المعلوم أن كل شيء يتعلمه الإنسان إلا وله جذور أصيلة في الوسط الذي ترعرع فيه وهنا يكون التأثير الأُسَري جدير بالذكر والدراسة لبلوغ الأهداف المرجوة وترك أثر يسهل على المدرسين تدريس تقنيات الحوار ومذاهبه ومنافعه للطفل عند التحاقه بالمدرسة.
ولتزيل هذه الأفكار واستثمارها على أرض الواقع وجب أولا إخضاع الأطر التعليمية لبرامج تدريبية و دورات تكوينية حول ماهية الحوار، تقنياته وكيفية تدريسه -من الناحية البيداغوجية- بأبجدياته وذلك بغية ترسيخ مبادئ عديدة ترتبط بالحوار .
فيجب على الأطر التعليمية تبني منهج الإنصات لتلامذتهم وإعطائهم الفرصة للتعبير والحديث داخل الفصل بشكل أكثر حرية وترسيخ هذا المبدأ لدى التلاميذ أيضا و يهم الحديث هنا صفة الإصغاء و الإنصات الجيد والتمعن لما يقوله المحاور سواء كان على وفاق معك أو على اختلاف وفي هذا الصدد يقول الكاتب والترجمان المصري “أنيس منصور” في إحدى كتاباته “أسهل طريقة لكسب خصومك هي أن تستمع إليهم” و يؤكد ذلك الكاتب “ديفيد شوارتز” في قوله “يستأثر العلماء بالإنصات بينما يحتكر سواهم بالكلام”.
ولأن العالم بالشيء لابد أن يعلم أيضا كيفية التعبير عنه والدفاع عنه والتناظر حوله فلابد لمدارسنا أن ندرس أطفالنا الحوار وهناك العديد من المناهج والأساليب لتطبيق هذه الأفكار على أرض الواقع بدل تركها كأفكار نظرية.
فبإمكاننا مثلا أن تشجيع النوادي المسرحية للأطفال فالمسرح كان ولايزال أقوى فضاء للتعبير وصقل مواهب الحوار وفنون الخطابة وإخراج الأطفال من بوثقة الخجل والانطواء التي قد تستمر طويلا و تؤثر سلبا في حياته مستقبلا، إضافة إلى ذلك وجب على الوزارة الوصية مساعدة المدرسين و تقديم تحفيزات مادية لحثهم على استغلال الأنشطة الموازية للتدريس المقرر في تفعيل وتنشيط نوادي حوارية على شاكلة “الإذاعة المدرسية” حيث يقوم الأطفال بإقامة برامج حوارية تنمي فيهم الوعي بتقبل الآخر وحرية الاختلاف وترسخ في أنفسهم فكرة أن الحوار قادر على صهر كل المفارقات بين الناس وتقريب الاّراء ببعضها بغض النظر عن معتقداتهم و انتماءاتهم ، كذلك هناك أمور أبسط من هذه يمكن أن ندعم بها أطفالنا لتعلم الحوار بشكل أكثر ليونة و هي كتابة أقوال وحكم حول الحوار على المجلات الحائطية والجدران ، وتشجيع الأطفال على التعبير عن آرائهم خلال الدرس واستشارتهم وطلب وجهة نظرهم في الأمور المتعلقة بالقسم والمدرسة كالنظافة والتوقيت و تنظيم المكتبة وغير ذلك كثير ..
وأبعد من ذلك يمكن للأساتذة تحديد يوم أسبوعي لإقامة أنشطة حوارية ومناظرات علمية بين مختلف ومسابقات ثقافية بين تلاميذ المدرسة كله وذلك لتنمية روح الحوار فيهم وجعلهم يتحدون الخوف والارتباك والخجل وحبَّذا لو كان ذلك بحضور آباء وأولياء التلاميذ لتشجيع بنيهم وبناتهم؛ فهم في حاجة لهذا النوع من الشجيع فهذه المرحلة المؤثرة من عمر الإنسان.
للحوار مبادئ وأساليب وطرق عديدة كان لزاما علينا تعلمها وتدريسها لأطفالنا بالمدارس ونظرا لتميز مجتمعاتنا بقوة الاختلافات وكثرة المذاهب والتلوينات الثقافية فالحوار هو الحل الأمثل لتجاوز كل هاته الاختلافات التي قد تؤدي إلى تصدع المجتمعات والشعوب والأمل كل الأمل في أطفالنا لتجاوز كل هذا وحفظ السلم والتماسك بين الأمم.