مراكش: العربي حسني
تحل الذكرى الخامسة لرحيل الفنان المغربي الكبير محمد حسن الجندي الذي وافته المنية عن عمر ناهز 79 سنة، مشكلا بذلك فاجعة للأدب والفن والتمثيل المغربي خاصة والعربي بصفة عامة .
وتأبى جريدة الجسور الا أن تخلد ذكراه طيلة شهر رمضان الفضيل بمنتوجه الفني الرائع ” الأزلية” الذي جلب وداعب شعور المغاربة والعالم العربي في نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي ، جلب حسن الجندي في دور “سيف بن دي يزن” البطل الاسطوري اهتمام الصغير قبل الكبير بقوة نبراته الصوتية المتميزة وحبكة وسلاسة أحداث الرواية الإذاعية ، التي مكنته من نقل نبض التراث المغربي إلى المجال الفني الحديث وحققت نسبة استماع غير مسبوقة.
واعتبر الجندي، واحدا من أهم رواد الحركة الفنية والثقافية ، وعلم من أعمدة المسرح بالمغرب فبصم مساره الحافل بالانتاجات الدرامية بمشاركته في العديد من الأعمال الفنية التي طبعت ذاكرة المشاهد العربي والمغربي، كما يعد أحد أهم أهرام المسرحي المغربي، ورائدا من رواد الفن والثقافة الوطنية.
وشارك الجندي في العديد من الاعمال الفنية في والوطن العربي وخاصة فيلم “الرسالة” من إخراج المخرج السوري مصطفى العقاد، الذي أدى فيه أحد أدواره الرائعة وهو يجسد دور “أبو جهل”، وشارك مع حاتم علي بدور الأمير يوسف الفهري، في مسلسل “صقر قريش”بقيادة المخرج الكبير نجدت انزور
وشارك حسن الجندي في المسلسل التاريخي “عمر”، الذي يحكي سيرة الصحابي عمر بن الخطاب.
وكذلك دور “رستم” في فيلم القادسية،
ودور “الوليد” بمسلسل عمر ابن الخطاب، وأعمال أخرى كثيرة ومتميزة نذكر منها: ظل فرعون (1996)، مطاوع وبهية (1982)، القادسية. (1981) الرسالة (1976) طبول النار ( 1993 )، الخنساء ، شجرة الدر ، رسائل إلى العالم ، المهلب ابن أبي صفرة ، عم مطاوع ، نعمان ، هنا بغداد، البتراء ، ربيع قرطبة ،صقر قريش ، آخر الفرسان .
محمد حسن الجندي مؤلف إذاعي مسرحي وتلفزي، ومخرج وممثل في السينما والتلفزيون والمسرح. سجل له التاريخ أنه استطاع بناء الجسور الثقافية بين المشرق والمغرب العربي، من خلال أعماله الفنية ومشاركاته المتميزة في الأعمال الدرامية العربية ، كما حاز العديد من التكريمات و الجوائز في العالم، منها وسام “عمدة باريس” عام 1999 بمعهد العالم العربي في باريس، كما حاز على وسام الثقافة من الجمهورية الصينية، و كان اول فنان مغربي تم تكريمه في مهرجان مراكش الدولي للفيلم، برفقة المخرج الأميركي الشهير، فرانسيس فورد كوبولا، والهندي عامر خان.
قبل المسرح والسينما، مال الجندي في شبابه الأول إلى الملاكمة، حيث كان يتدرب في أحد الأندية بمراكش مسقط رأسه. ألحقه والده بمدرسة قرآنية في رفض تامّ للتعلم على أيدي الفرنسيين خلال المرحلة الكولونيالية. لذلك لم يلتحق بالتعليم النظامي مزدوج اللغة إلا في فترة متأخرة بعد رحيل والده. انخرط باكراً في العمل السياسي الذي كانت تؤطره «الحركة الوطنية» آنذاك، وسيتم اعتقاله ليقضي شهرين في السجن بسبب ما كان يكتبه على جدران مدينته من عبارات تحريضية ضد المستعمر.
ويحسب له أنّه مخرج أول مسلسل تلفزيوني في تاريخ الدراما المغربية «بائعة الخبز».
شهرة الجندي مستمدة بالأساس من صوته الجوهري الذي يترك وقعاً خاصاً في أذن المستمع، ويجعله يحسّ بنخوة الأصالة والانتماء العربي… هذا الانتماء الذي ظل الراحل معتزاً به ومدافعاً عنه بكل السبل، وهو الذي كان متوجساً بخصوص التحولات التي طرأت على الهوية العربية. فقد كان يرفض أن تتسلل المفردات الفرنسية إلى اللهجة المغربية، وحتى في أحاديثه للصحافة وفي حياته العامة، كان الرجل فصيحاً في لهجته. وخلال السبعينيات، حين نقل «الأزلية» (سيرة سيف بن ذي يزن) من الكتب التراثية إلى الإذاعة الوطنية، كان حريصاً على تقديمها بلغة وسيطة تقترب فيها اللهجة من الفصحى. الأمر ذاته سيحسّه المشاهد وهو يتابع أعماله المسرحية، فالرجل كان مغرماً كبيراً بالتراث العربي، بلغته وبتفاصيله وبتلك الالتماعات الكبرى فيه.
في سنوات السبعينيات أيضاً، كان الراحل يقدم برنامج «كشكول المغرب» في إذاعة «بي. بي. سي»، وكانت هذه التجربة بالنسبة إليه مجالاً آخر لتجريب واستثمار مهاراته الصوتية.
أما السينما والدراما، فقد شكلتا معاً الفضاء الأكبر الذي وجد فيه الجندي ما يبحث عنه، وما سيترجم ولعه وجنوحه إلى التراث، فالرجل كان يَطرب وينتشي حيث يوجد الشعر والبلاغة وخيام الكرم والأحصنة العربية الأصيلة.
ومشاركته في «ظل فرعون» و«طبول النار» لسهيل بن بركة، و«بامو» لادريس المريني، و«خيط أبيض خيط أسود» لبوغالب البوريكي، و«أمود» لفاطمة بوبكدي، وأعمال درامية أخرى مثل: «شجرة الدر»، «بلاط الشهداء»، «الطارق» وغيرها. ومن أعز أعماله لدى الراحل مسرحية “شاعر الحمراء”
مثّل الراحل أدواراً تاريخية عديدة في أعمال مغربية وعربية وعالمية، وشارك في أعمال كثيرة في المسرح والدراما والسينما داخل المغرب وخارجه، لكنّه يشير في أحد حواراته بشيء من الحسرة إلى أنّ أعماله لم تحظَ بالاهتمام والرعاية في بلده. ويقول عن ذلك: «كل هذه السنين والتراكمات لا تساوي في وطنك شيئاً، هذا ما يحزّ في قلبي، وهذا هو الهمّ الذي سأرحل به».