مجتمع

العمال والمستخدمون بجرسيف .. استغلال ومعاناة تستمر في غياب إرادة مواطنة

 

أقضي بالمصنع قرابة العشرين ساعة، دون مقابل، وأجرة تتراوح بين 1000 و 1200 درهم للشهر

“ناهيك عن العنف النفسي والتحرش الجنسي الذي تتعرض له النساء بمختلف الأعمار”

 

حفيظة لبياض (روبورتاج سبق نشره على جريدة الوطنية).

تشكل الطبقة العاملة لبنة  أساسية في المجتمع، نظرا للخدمات التي يقدمها المستخدمين في شتى المجالات، سواء بالقطاع الخاص أو القطاع العام، غير أن هده الطبقة تتعرض لمختلف أشكال الاستغلال بشكل يومي من طرف أرباب العمل بالمصانع أو الحقول الفلاحية، أو المقاولات الخدماتية أو حتى بعض المؤسسات العمومية، وبالرغم من المعاناة المستمرة فإن هده الطبقة تواجه لا تجد خيارا سوى الخضوع لواقع الاستعباد طلبا لتوفير القوت اليومي فقط.

العنف النفسي، والتحرش الجنسي، والعمل لساعات طويلة، الطرد التعسفي، تدني الأجور، إضافة إلى عدم التسجيل في نظام الضمان الاجتماعي، كلها مشاكل يعانيها العمال والمستخدمون بجرسيف وتختلف حدتها حسب المكان والزمان والجهة المشغلة.

ولا تختلف معاناة عاملات وعمال مصانع النسيج بإقليم جرسيف عن عمال وعاملات الضيعات الفلاحية أو مستخدمي المقاولات الخدماتية سواء تعلق الأمر بعمال النظافة أو حراس الأمن أو غيرها، لأن القاسم المشترك بينها هي المعاناة والخضوع للأمر الواقع، حيث تغيب أهم شروط العمل السليمة، سواء تعلق الأمر بالأجرة أو عدد ساعات العمل أو العطل الأسبوعية أو المناسباتية.

العمل لساعات طويلة وتعرض للعنف النفسي والتحرش الجنسي مقابل 30 درهم لليوم.

تقول “دنيا” التي كانت تعمل سابقا بأحد مصانع النسيج بمدينة، في حديثها ل”جريدة الوطنية”، إن العمل بقطاع النسيج وخاصة الخياطة يعني أن تتحول من إنسان إلى “آلة” تداوم العمل أكثر من 12 ساعة في اليوم دون أن تشتكي من التعب أو الإرهاق، ومقابل أجرة زهيدة قد لا تتجاوز 30 درهما في اليوم، ناهيك عن العنف النفسي والتحرش الجنسي الذي تتعرض له النساء بمختلف الأعمار من طرف بعض القائمين أو المكلفين أو حتى المسيرين.

وأردفت دنيا، حين تذهب المرأة إلى شركة النسيج فهذا يعني أنها ستصبح امرأة محكوم عليها بالمعاناة في صمت، لأنها مهددة بالطرد والحرمان من ” طرف خبز”، فأنا عندما كنت عاملة نسيت معنى أن أكون مواطنة تعمل بكرامة وحرية بل كنت ببساطة خاضعة للاستغلال والقمع، خاصة أن العاملات يوقعن على التزامات تحمي صاحب المصنع، وتخول له أن يقوم بطردهن في أي وقت يشاء.

وتؤكد “ليلى” في تصريح مماثل ، أنها اشتعلت أكثر من ثلاثة سنوات بقطاع النسيج بجر سيف، وقد تعرضت لمرض نفسي بسبب هدا العمل، نظرا للضغوطات النفسية والمادية، إذ تقول ” كنت أعمل من السابعة صباحا إلى السابعة مساء، وأحيانا أكون مجبرة على العمل لساعات إضافية أي أقضي بالمصنع قرابة العشرين ساعة، دون مقابل سوى أجرة تتراوح بين 1000 درهم و 1200 درهم للشهر، في أحسن الأحوال،  حيث يتم الاقتطاع منها في حالة التأخر أو الغياب حتى وإن كنت مريضة”.

وأضافت ليلى في حديثها، أن ما يزيد من معاناة عاملات وعمال النسيج بجرسيف، هو عدم استفادتنا من العطل، سواء الدينية أو الوطنية، “أنا شخصيا لم يسبق لي أن احتفلت بمناسبة فاتح ماي بشكل مطلق، أما عطلة نهاية الأسبوع فكثيرا ما يفرض علينا قضائها في العمل أيضا”.

حارس أمن خاص : نشتغل 12 ساعة في اليوم، ولا نستفيد من عطلة نهاية الأسبوع.

وفي سياق متصل قال أحد حارس الأمن الخاص بإحدى المؤسسات التعليمية بجرسيف مند 14 سنة، للوطنية، تعليقا على ظروف عمله، “أشتغل وفق شروط لا قانونية، حيث نعاني كحراس الأمن بالمؤسسات التعليمية من غياب نظام شغل يضمن حقوقنا، رغم أننا نقوم بعمل نبيل وجاد خاصة في الوسط المدرسي الذي يتطلب منا مجهودا مضاعفا، حيث نشتغل 12 ساعة في اليوم، ولا نستفيد من عطلة نهاية الأسبوع، كما نشتغل مهام ليست من مسؤولياتنا ولا حتى من اختصاصنا كالشؤون الإدارية، إضافة إلى عدم الزيادة في الأجور التي لا تصل إلى الحد الأدنى، وصعوبة الالتحاق بالنقابات، وهناك معاناة معنوية أيضا كعدم منحنا الزي الموحد، فنرتدي زيا واحدا شتاء وصيفا.

محمد البهيج : هناك تهرب دائم من الالتزام بقوانين الشغل.

وأكد “محمد البهيج” الكاتب الإقليمي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل لجريدتنا، أنه ورغم وجود نصوص قانونية كمدونة الشغل التي تعتبر بمثابة المرجع القانوني الذي يربط المشغل بالعاملين والمستخدمين، “إلا أننا لاحظنا من خلال عملنا وتجربتنا الميدانية النقابية، أن هناك تهرب دائم من طرف المشغلين وحتى بعض المؤسسات العمومية من الالتزام بقوانين الشغل”.

وأردف البهيج قائلا، “هناك بعض الصفقات تعقدها مؤسسات تابعة لقطاعي الصحة والتعليم، مضمونها يدعو إلى احترام قانون الشغل، لكن التطبيق لا يوجد على أرض الواقع، مما يؤدي إلى الاحتجاجات والشكايات ضد المشغلين والجهات الوصية على التشغيل، فنجد مثلا المدير الإقليمي للتعليم أو الصحة، يصبح منشغلا  بمعالجة إشكالات الشغيلة كعمال النظافة أو الحراسة أو الطبخ…بدل الاهتمام بالمنظومة التربوية …”

أما بالنسبة للمستخدمين في الضيعات الفلاحية والذين لا يخضعون للمراقبة ولا يستفيدون من الإدماج ضمن نظام الضمان الاجتماعي، وفي حالة مطالبة أي منهم بحقوقه أو لجوء إلى نقابة فإنه يتعرض للطرد، وغالبا ما تتعرض بعض الشركات للإفلاس حيث يصبح مصير المستخدمين مجهولا كما  وقع لعمال شركة النسيج تازة مغرب بجرسيف التي تدعى “تازة ماوك”، وتعزى أسباب هدا التعسف ضد الطبقة العاملة إلى جهل أو تجاهل  أرباب العمل لمدونة الشغل، ثم المزج بين العمل السياسي والإقتصادي، وتبقى الدولة هي المسؤولة عن صون كرامة العاملات والعمال من أجل الاستقرار وضمان العيش اللائق يقول البهيج. 

وفي غياب واضح لسياسة تنموية فاعلة وناجعة فإن معاناة هذه الفئة تبقى مستمرة رغم تغني مختلف الجهات بعملها على الدفاع عن مصالحها وحقوقها، خاصة مع ما يعرفه الإقليم من تزاوج للمال والسلطة وسيطرة شبه كاملة لرجال المال على مواقع اتخاذ القرار، وكذا غياب أي بوادر لتغيير هذا الوضع الذي يحتاج تصحيحه إلى إرادة سياسية قوية ومواطنة، تسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وحفظ ماء وجه المواطن البسيط.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى