
محمد العشوري.
برؤية استشرافية وعزيمة لا تلين، استطاعت سهام بومهراز، الفاعلة الجمعوية ورئيسة التعاونية النسائية “زركشة الزربية”، أن تحول شغفها بصناعة الزرابي التقليدية إلى مشروع تنموي مستدام، يساهم في تكوين وتمكين النساء بإقليم جرسيف.
نشأت سهام، الشابة ذات ال34 عاما، وسط بيئة تحتفي بالحرف التقليدية، فكانت مشاهدتها لوالدتها وجدتها وهما ينسجان خيوط الزربية الوراينية، تلك القطعة الفنية التي تعكس أصالة المنطقة وتاريخها العريق، نقطة انطلاق حلمها في تأسيس إطار يجمع النساء الراغبات في تعلم هذه الحرفة وإتقانها.
وفي حديثها لموقعنا، قالت سهام بومهراز، إن هذا الشغف تحول إلى طموح، دفعها لاحقا إلى خوض تجربة التكوين في هذا المجال، حيث حصلت على عدة شهادات وديبلومات في الحرف اليدوية والصناعة التقليدية، مما منحها الخبرة اللازمة للانطلاق في مشروعها التنموي.
وأبرزت أنها عملت خلال أواخر سنة 2018 رفقة عدد من صديقاتها على تأسيس جمعية “فنون للتنمية الاجتماعية”، وأشرفت على تسيير مركز للتربية والتكوين بالقطب الحضري غياطة ضواحي مدينة جرسيف، حيث بدأت بأنشطة تكوينية في مجالات الخياطة والفصالة والطرز، لفائدة النساء بجرسيف إلى جانب تقديم خدمات التعليم الأولي.
ومع تنامي الطلب على التكوينات، أدركت سهام حاجتها إلى خطوة أكثر طموحا، فأسست تعاونية “زركشة الزربية” بعد ثلاث سنوات، مكرسة جهودها لتكوين النساء، وتمكينهن عبر الصناعة التقليدية، ونسج الزربية الوراينية، مع الحرص على حفظ هذا الإرث الثقافي، وتطويره بما يواكب متطلبات السوق، لضمان استقلال اقتصادي للنساء المستفيدات.
وأبرزت أن رؤيتها ترتكز على تطوير صناعة الزربية الوراينية، عبر تحديث تصاميمها، وإدخال ألوان عصرية تتماشى مع تطلعات المستهلكين، دون المساس بجوهرها التقليدي، كما استعانت بخبراء في هذا المجال لتقديم تكوينات متخصصة للمتعاونات، والعاملات، اللواتي يتجاوز عددهن 50 امرأة، ما ساعدهن على تحسين جودة المنتوجات والابتكار فيها.
وأضافت أنها تحرص على تأمين فرص تسويق المنتوجات محليا ودوليا، حيث أطلقت موقعا إلكترونيا وكاتالوجا رقميا يبرز منتجات التعاونية، بالإضافة إلى توظيف وسائل التواصل الاجتماعي بفعالية للترويج لها، كما شاركت التعاونية والجمعية في معارض وطنية ودولية، مما فتح آفاقاً جديدة للمتعاونات ومكنهن من الاندماج في سوق العمل.
وبفضل جهودها المتواصلة، حصدت سهام بومهراز، جائزة “تميز للمرأة المغربية “، على مستوى جهة الشرق، لسنة 2023، وبلغت مرحلتها النهائية على المستوى الوطني، وهي الجائزة التي تنظمها وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة،
وتروم هذه الجائزة تشجيع صاحبات المشاريع والمهنيات اللواتي تميزن في مبادراتهن التنموية، وإبراز قيمة النماذج المبتكرة للإسهامات النسائية في مسيرة النماء الشامل التي تشهدها المملكة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
وعلى مستوى الشراكات، نسجت سهام بومهراز، عبر جمعيتها، علاقات تعاون مثمرة مع عدة جهات، من بينها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والتعاون الوطني، ومديرية التعليم، ما عزز أنشطتها التكوينية، والاجتماعية، كما أبرمت شراكة مع جمعية نجود للإنماء الاجتماعي، بهدف تكوين الأشخاص في وضعية إعاقة في مجال صناعة الزربية، وهو ما يعكس البعد الاجتماعي لمشاريعها.
ولا تقتصر أنشطة الجمعية والتعاونية على التكوين المهني، بل تمتد لتشمل الجانب الاجتماعي، والتثقيفي، حيث تنظم حملات توعوية حول قضايا الصحة، مثل أهمية الرضاعة الطبيعية والتلقيح، إلى جانب توجيه النساء المعنفات ومساعدتهن على تحقيق الاستقلالية الاقتصادية.
ويستفيد من برامج الجمعية والتعاونية سنويا 35 امرأة يتلقين تكوينات في الخياطة، الطرز، ونسج الزربية التقليدية، بمركز التربية والتكوين، إضافة إلى 45 طفلا يستفيدون من خدمات التعليم الأولي، وتوفر تأطيرا ل60 مستفيدا ومستفيدة ضمن قسم “الفرصة الثانية الجيل الجديد”، وتواكب 105 تلاميذ في إطار برامج الدعم التربوي داخل المؤسسات التعليمية.
وفي ظل هذه الدينامية، تواصل سهام بومهراز العمل على تطوير مشاريعها، واضعة نصب عينيها هدفها المتمثل في توسيع نطاق التكوينات، وزيادة عدد المستفيدات، بما يضمن استدامة هذا الموروث الثقافي وتحويله إلى مصدر دخل قار يحقق الاستقلالية للمرأة بجرسيف.