رياضةكُتّاب وآراء

المغرب… حين يتحول الحلم العربي إلى حقيقة عالمية

محمد العشوري.

لم يكن أحد يتخيل أن يأتي اليوم الذي تتبدل فيه ملامح المشهد الكروي العالمي، وأن يتصدر منتخب عربي صفحات المجد في أرقى المحافل الرياضية الدولية، إذ لطالما ارتبطت كرة القدم، في وعينا الجمعي، بأسماء عريقة من أوروبا وأمريكا الجنوبية، وبمنتخبات اعتادت الصعود إلى منصات التتويج واحتكار الألقاب.

على مدى عقود، ظلت المنتخبات العربية تكتفي بالمشاركة الرمزية، وتغادر المنافسات في بداياتها، وسط تعليقات مكرورة عن “التمثيل المشرف” و”الخبرة المستفادة”. كان الحلم العربي في بلوغ العالمية أشبه بصفحة من الخيال، نعيشها في أحلامنا ثم نصحو على واقع يعيدنا إلى نقطة البداية.

لكن هذا الواقع تغير، والمشهد الذي صنعه المغرب في السنوات الأخيرة يستحق أن يُخلّد في ذاكرة كرة القدم العالمية، فقد تمكن المنتخب المغربي من قلب الموازين وكسر الصورة النمطية الراسخة، بعدما هزم كبار العالم في مونديال قطر، من إسبانيا إلى البرتغال، قبل أن يقف نِدًّا لندّ أمام فرنسا، ويحقق إنجازاً تاريخياً باحتلاله المركز الرابع عالمياً.

ولم يكن ذلك الحدث المعجز ثمرة صدفة أو ضربة حظ عابرة، بل تتويجاً لمشروع رياضي وطني متكامل، تأسس على رؤية بعيدة المدى وإرادة لا تعرف المستحيل.

فخلال السنوات الثلاث الأخيرة، واصل المغرب مسيرة التألق في مختلف الفئات، فحصد المركز الثالث في الألعاب الأولمبية، وتوج بلقب كأس العالم للشباب، ليؤكد أن ما تحقق لم يكن مجرد ومضة، بل نهج متكامل في بناء الأجيال وصقل المواهب.

لقد قرر المغرب أن يحول الحلم إلى واقع، وأن يجعل من التخطيط والعمل بديلا عن التمني والتبرير، ومن خلال منظومة احترافية شملت البنية التحتية والمراكز التكوينية، أثبت أن النجاح لا يُشترى، بل يُبنى لبنةً لبنة.

وهنا تكمن الرسالة الأعمق: لم يكن المغرب يوماً بعيدا عن ركب الكبار، ولا كانت الموهبة حكراً على أحد، لكن الفرق الحقيقي يكمن في من يملك الجرأة على الاستثمار في الإنسان، والإيمان بقدراته، والعمل الدؤوب على تطويرها.

إن التجربة المغربية اليوم تمثل منارة مضيئة لكل المنتخبات العربية التي تطمح إلى كسر جدار “التمثيل المشرف” والولوج إلى عالم البطولات الكبرى بثقة واستحقاق. لقد فتحت الرباط الباب على مصراعيه أمام حلم عربي جديد، وأثبتت أن الإرادة حين تقترن بالرؤية والعمل، يمكن أن تغيّر مجرى التاريخ.

المغرب اليوم ليس مجرد منتخب لكرة القدم، بل هو قصة إلهام وحكاية أمة قررت أن تكتب فصلا مختلفا من فصول المجد العربي، مجد تحقق على أرض الواقع، لا في الخيال، فأصبح أشبال المغرب.. أبطالا للعالم بحلم عربي وإرادةٍ لا تقهر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى