تزويج القاصرات.. اغتصاب للطفولة واستغلال للدين وتحايل على القوانين
حفيظة لبياض.
يعد زواج القاصرات ظاهرة اجتماعية وخيمة تثير الجدل، نظرا لما ينجم عنها من آثار سلبية، وتعني زواج الطفلات دون السن القانوني(18 سنة) تحت الضغط وبدون إرادة، ولو أجابت بالقبول تكون إجابتها غير عقلانية نظرا لعدم اكتمال نموها الفكري والجسدي، وتعرف ظاهرة زواج القاصرات بالمغرب ارتفاعا كبيرا في ظل عدم التشديد في تطبيق القوانين اللازمة من طرف المسؤولين، فضلا عن غياب الوعي لدى الأسر خاصة في العالم القروي.
هذا وسلطت “جريدة الوطنية” الضوء على موضوع زواج القاصرات بجرسيف، حيث تواصنا مع عدة طفلات ضحايا الزواج الإجباري غير أن أغلبهن تخوفن من إعطاء تصريحات، وفضلن الصمت باستثناء فئة قليلة كانت لها الجرأة في الحديث دون التصريح بالإسم.
فتقول فاطمة(إسم مستعار) من جرسيف انقطعت منذ زمن عن التمدرس، وتشتغل بمقهى شعبي، تم تزويجي وانا أبلغ من العمر 16 سنة فقط، مع إبن خالتي يبلغ عمره 35 سنة ومهنته مياوم، وذلك بضغط من أسرتي، “قالولي تزوجي ولد خالتك أحسن لك”، ورغم أنني لم أبلغ السن القانوي للزواج، قد تزوجت بالفاتحة.
وأباحت فاطمة في حديثها للوطنية، أنها عاشت الويلات والجحيم، وسط عائلة زوجها، حيث تعرضت للعنف الجسدي والتهديد والتخويف من طرف أخ الزوج الذي قضى 5 سنوات بالسجن، كما تعرضت للتعذيب النفسي والجسدي من طرف والدته(خالتها)، وذلك دون مبالاة ولا اهتمام من طرف الزوج الذي بدوره عرضها للضرب، مما جعلها تهرب إلى منزل أسرتها التي لم تتقبل عودتها، حيث توجهت صوب المدينة للبحث عن فرصة عمل.
وتقول ليلى(اسم مستعار) في تصريح لجريدتنا، تزوجت في سن 15 عاما، بعد انقطاعي عن الدراسة بسبب بعد المسافة بين الإعدادية والمنزل كما أن والدي رفض عيشي بدار الطالبة او الذهاب بالنقل المدرسي نظرا لانعدام إمكانياته المادية، وفي نفس الوقت تقدم ابن جيراننا بالديار الإسبانية لطلب الزواج، فضغط عني كل من أبي وأمي كي أتزوج به، بحكم أنني سأهاجر إلى أوروبا وسأعيش بالمدينة وسأرسل المال لهما وأساعد إخوتي على الهجرة صوب الخارج.
وأردفت ليلى كضحية لزواج دون إرادة، أنها بعد حفل الزفاف بثلاث أشهر تركها زوجها بمنزل والديه وإخوته وعاد للعمل بإسبانيا، وظلت تشتغل كالخاذمة دون ان تشتكي من تعب او مرض وفي حالة رفضت تلبية طلباتهم تتعرض للعنف بجميع أشكاله(الضرب، السب، الشتم)، وفي إحدى الأيام ذهبت عند والديها وأرادت البقاء معهم، غير أنهما رفضا بحكم أن تصرفها غير سليم لأنها متزوجة وسيتحدثون عنها الناس بالسوء، مما جعلها تستمر في العيش بالجحيم مع أهل زوجها.
“ربيعة مرضي”: تزويج القاصرات مسؤولية الدولة، فحين تريد تحقيق شيء ما تنجح في ذلك، ونجاحها في محاربة كورونا خير دليل.
صرحت ربيعة مرضي رئيسة جمعية الافق الاخضر للتنمية المستدامة ومركز تودة للاستماع والارشاد القانوني للنساء و الفتيات ضحايا العنف بگرسيف، “للوطنية” أن تزويج القاصرات كما تفضل أن تسميه بدل من زواج، لأن القاصر لا تتزوج برغبتها، أصبح قاعدة في المغرب، وذلك عن طريق التحايل على القانون، أو زواج الفاتحة وزواج الإتفاق بعقد ما(كونطرا) ، ويعزى ذلك إلى عدة عوامل، كالفقر وطريقة التفكير خاصة بالوسط القروي، والأعرف حيث يقال “اللهم نزوجها صغيرة ولا تبور أو تجيبلي العار”، إضافة إلى التغرير بالهجرة إلى أوروبا، مما يؤدي إلى اغتصاب الطفولة.
وقالت مرضي أن مركز تودة يستقبل نساء ضحايا العنف الناتج عن تزويج قاصرات، أثناء وقوفهن عن الطلاق، حيث أغلب الحالات يؤكدن انهن تم حرمانهن من التمدرس ولا يملكن مهارات لإيجاد شغل، كما يتعرضن للإجهاض بسبب عدم نمو البنية الجسمية لهن، كما يتم اتهامهن بالخيانة الزوجية في حالة تواجد الزوج بالخارج وتحمل المسؤولية إذ كان المولود من ذوي الإحتياجات الخاصة، إضافة إلى تعرض بعض الحالات للاغتصاب حيث يمارس الزوج على الزوجة القاصر الشدود الجنسي بسبب مشاهداته للأفلام الإباحية او ما شابه ذلك، مما يجعل بعض النساء ضحايا هذا النوع من الزواج يحاولن الإنتحار إثر عدم تحملهن تلك الأوضاع.
وأردفت الفاعلة الحقوقية أن بمقابل هذه الآثار السلبية لتزويج القاصرات، لا توجد وسائل وآليات لحماية هؤلاء النساء، في ظل انعدام مراكز للإيواء، فرغم قانون 103.13 الذي يحث على ضمان الحماية لهاته الفئة، لكن هناك ثغرات قانونية، فالمادة 1 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي تم توقيعها بتاريخ 20 نونبر 1993، والمادة 19 من مدونة الأسرة، تؤكدان على حماية الطفل إلى أن يبلغ سن 18 عاما، غير أن نقيض هذه الأخيرة من ذات المدونة نجده في محتوى المواد من 20 إلى 22، حيث يتم منح القاضي الحق بتزويج القاصر بإذن من ولي أمرها، وفي هذه النقطة تؤكد مرضي أن القضاة بجرسيف مشددين بخصوص تزويج القاصرات ويعتبرونه جريمة، غير أن الأولياء يلجون مواقع وطرق أخرى.
وأوضحت الفاعلة الحقوقية أن المسؤولية يتحملها كل من أولياء الأمور والدولة، حيث تعتبر المادة 102 من اتفاقية حقوق الطفل، هذا الأخير تحت رعاية الدولة، وفي ذات السياق تؤكد المادة 54 من ذات الاتفاقية، أنه من واجب الوالدين حماية حياة أطفالهم منذ الحمل إلى غاية سن الرشد، كما أن الدولة بإمكانها القضاء على الظاهرة إذ أرادت، حيث برهن المغرب على ذلك من خلال محاربة التطرف، كما احتل المراتب الأولى في محاربة كوفيد 19، فضلا عن سير عملية اللقاح بشكل محكم، إذا على الدولة أن تقوم بنفس الأمر لمنع تزويج القاصرات، فضلا عن النهوض بالأوضاع الإجتماعية الإقتصادية والفكرية الثقافية.
وعلقت مرضي على تصريح “سعيد أمزازي” وزير التعليم حول إجبارية التمدرس، حيث دعى إلى انخراط الفاعلين الجمعويين والتربويين في مجال التوعية والتحسيس من خلال تنظيم حملات تحسيسية، فاعتبرت إجبارية التمدرس مسؤولية الدولة أما باقي الفاعلين مجرد تكميل، وفي نفس الصدد عقبت على تصريح “محمد عبد النبوي” رئيس النيابة العامة، الذي أكد من خلاله على التشديد في المادة 20 من المدونة للتخفيف من الظاهرة، بردها بالدعوة إلى ضرورة الحذف والتطويق والمنع التام لتزويج القاصرات، عن طريق إعادة النظر في المدونة كحذف بعض المواد، والزجر في حق المسؤولين عن هذه الظاهرة.