مجتمع

الوسيط الأسري”سعيد اجديرا” الوساطة الأسرية أساس لحل المنازعات بطرق بديلة

 

حاورته رجاء مسري.

حوارنا سيكون مع الدكتور والأستاذ الجامعي سعيد اجديرا، دكتور في الدراسات الإسلامية، وأستاذ باحث وقيم ديني مايناهز ثلاثين سنة من العطاء المهني ، كما انه أستاذ زائر في شعبة الدراسات الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الانسانية بنمسيك، ومشرف على محترف الوساطة الإجتماعية، ومؤهل في تداريب الوساطة الإتفاقية والتنمية البشرية، حول موضوع سار يكتسي أهمية متزايدة في ضل الاوضاع والتطورات الاجتماعية التي اصبحت تعرفها الأسرة المغربية بشكل خاص، حيث التقينا به وكان الحوار التالي:

 ماذا نقصد بمحترف الوساطة وبظروف نشأته؟

نشأ محترف الوساطة الاجتماعية برحاب كلية الأداب بنمسيك جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء, مع مشاركة ممارسين ومهتمين بالتكوين في هذا المجال, ويستهدف المحترف نخبة من طلبة الكلية وعموم المجتمع.

انطلقت الشعلة الاولى للمحترف منذ سنة 2016 في المسار التخصصي للسنة الأخيرة من الإجازة، مسار وساطة إجتماعية وشرعية بمسلك الدراسات الإسلامية، فكانت الغاية منه خلق إطار موجه للطلبة المتخصصين، لإستيعاب مسارهم ومعرفة البُعد المهني المُكمل لتكوينهم النظري، ويعتبر الانخراط في هذا المحترف مفتوح داخليا لفائدة كل طلبة الكلية باختلاف شعبهم ومسالكهم، وقد وقع التركيز على الوساطة الأسرية حاليا، لأنها تعتبر من أهم الاختيارات المجتمعية.

–  هل هناك قانون منظم للوساطة؟

القانون المؤطر حاليا للوساطة الأسرية وللوسيط الأسري، هو قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية، رقم 08.05 الصادر منذ أواخر سنة 2007، والقاضي بنسخ وتعويض الباب الثامن بالقسم الخامس المخصص للمساطر الخاصة من قانون المسطرة المدنية، فكان لهذا القانون أربعة فروع، الفرعين الأولين يخصان التحكيم الداخلي والخارجي، والفرع الثالث يخص الوساطة الاتفاقية انطلاقا من الفصل 55-327،ثم الفرع الرابع يختص بأحكام ختامية متفرقة.

إنه قانون يؤطر الوساطة الأسرية بجميع فروعها الخاصة بالوساطة الاتفاقية، وقد جاء هذا القانون عاما و شاملا للتحكيم أيضا بل و تَوسع فيه أكثر، ثم إن الوساطة الواردة فيه تشمل ميادين متعددة من بينها ميدان الأسرة.

– هل الوساطة بديل فعال في حل النزاعات الأسرية؟

إن واقع الأسرة المغربية في ظل القوانين القضائية الحالية، ليس على أحسن حال ولو في حد أدنى ،فقد جاءت عدة تقارير مؤكدة لهذه الحقيقة المأساوية والإحصائيات الرسمية،والتي تؤكد خطورة الوضعية، بسبب الارتفاع المهول لنسب الطلاق وتفكك العلاقات الزوجية.

ويعتبر فضاء المحاكم والمساطر القضائية سوى مولد لخصومات وأحقاد بين الأطراف المعنية، بل إلى انحرافات ووقائع خطيرة،إنه فضاء صار في مجتمعنا، لا يحافظ أبدا على العلاقات الإنسانية كما هي ،وبالدخول في جلساته العمومية، تصبح الحياة الثنائية البعدية شبه مستحيلة.

لهذا، جاءت الوسائل البديلة لحل النزاعات الأسرية، ومنها الوساطة الاتفاقية لحفظ حرمة وقدسية الأسرة كما هي، وقد أثبتت معظم الدول تَقدمها في تطبيق هذه الوسيلة،إلى أنها وسائل فعّالة و إيجابية على حياة الأسرية، ويكفي أنها سرية وخارج فضاء المحكمة، فتتوصل لأسباب النزاع الحقيقية ،وتؤدي إلى الاتفاق والتوافق إلى الصلح والتصالح كيفما كان، ويعتبر في كل الحالات مُربح ومريح لِطرفي النزاع معا.

– ماهي مكانة الوسيط في تكريس الأمن الأسري؟

إن مكانة الوسيط الأسري من مكانة الوساطة الأسرية في المحافظة على الأمن الأسري ،لكن ينبغي تمييزه عن المرشد والإرشاد الأسري، الذي يُستحسن القيام به قبل الزواج، ويمكن أثناءه أيضا.

والفرق، أن الوساطة ترتبط بحالات المنازعات فتعمل على حلها بطرق بديلة عن المساطر القضائية، لكن القانون المؤطر حاليا والذي يعتبر ان الوسيط يقوم بمجرد مهمة مؤقتةفقط ، هذا مايدفعنا للقول ،آلا يستحسن مأسسة مهنة الوسيط المتخصصة والحرة، أليس من الأفضل إدماج الوساطة الأسرية بشكل صريح في مدونة الأسرة.

وإن مما يدعم هذا المقترح، أن مسطرة الحكمين نفسها، هي ذات طبيعة تصالحية، لا تحكيمية فاصلة كما في التحكيم عموما، فيكون الوسيط الأسري مؤهلا هو كذلك، بل قد يكون أكثر تأهيلا من غيره للإسهام في مساطر الصلح والإشراف على مهمة الحَكمين.

– ما هي التحديات المطروحة أمام إدماج الوساطة في المجتمع المغربي؟

يمكن إجمالها في جانبين جانب قانوني وجانب إجتماعي:

فمن الجانب القانوني، لايزال القانون المؤطر محتاجا للفصل بين التحكيم والوساطة الاتفاقية، وهو كذلك واقع بعض الدول التي تنتظر مخاض مثل هذه الآلية، حيث أن اهمية هذا الفصل يتيح للقوانين التنظيمية والتفصيلية أن تجعل الوساطة الأسرية أكثر وضوحا في كل مكوناتها، ومثل هذا الوضوح يؤدي حتما إلى تطويرها وتفعيلها في الواقع المعيش.

لكن المشكل المطروح أن هناك مشروع قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية رقم 95.17 بالمقارنة بين فصول القانون الحالي ومواد القانون المقترح، يتأكد أن الوضع يشبه عملية استنساخ تام، إلا في بعض التعديلات الشكلية والإضافات اللازمة.

أما الجانب الاجتماعي، فإنه ينبغي أن يوازي الجانب القانوني، بنشر ثقافة الوساطة عموما والأسرية خصوصا، في المجتمع كليا لا فقط جزئيا،فلا فائدة في القوانين إذا لم يتم تهييئ أرضيتها وتطبيق مضمونها في شتى الميادين.

ونشر مثل هذه الثقافة يجب أن يتم بكل الوسائل التواصلية والتحفيزات العملية، فينبغي أن تتضافر جهود الجميع من أجل توعية المجتمع بمكانة الوساطة الأسرية، فهذه العملية تستحق التضحية، لأنها تصلح لتسوية أوضاع الأسرة المغربية.

– ما مكانة محترف الوساطة الاجتماعية في التعريف بالوساطة لأجل أسرة سليمة؟

إن أنشطة المحترف متنوعة، داخل وخارج الكلية، من خلال تكوينات داخلية ومشاركات خارجية ، والغرض من كل ذلك هو المشاركة في تأهيل عدة وسطاء متخصصين، والعمل على نشر كل أنواع الوساطة، و الغاية الأسمى هي تدعيم سلامة الأسر ما أمكن، لأن الأسرة هي نواة المجتمع الأساسية.

ثم في فضاء التواصل الاجتماعي لتعميم الفائدة أيضا، فإن المحترف مفتوح من خلال موقعه ومجموعته للعموم وبالخصوص للمهتمين بقضايا الوساطة الاجتماعية، من أجل إنشاء قاعدة بيانات متخصصة وأساسات إحصائية،
والمنشورات في الموقع والمجموعة لا تؤكد فقط على مكانة الوساطة في جميع المجالات، بل تؤكد كذلك ضرورة تهييئ مهنة الوسيط، حتى يصير فاعلا أساسيا في كل المنازعات المطروحة بين سائر المكونات، وفي مجال الأسرة بالذات، فالتعريف بالوساطة والوسيط مسألة مهمة من أجل أسرة سليمة.

– كيف كانت مشاركة المحترف في المعرض الدولي للكتاب والهدف والغاية منها؟

إن عمل المحترف لا ينحصر في فضاء الكلية فقط، بل له عدة مشاركات خارج الفضاء الجامعي أيضا وذلك في عدة ملتقيات والندوات ،وكذا مشاركته في معرض الدار البيضاء الدولي للكتاب في دورته السادسة والعشرين.

وتهدف هذه المشاركة إلى التعريف أولا بمحترف الوساطة الإجتماعية، وثانيا إلى نشر ثقافة الوساطة الأسرية، مع تقديم كتاب أحكام أسرية للمشرف على المحترف، والغرض من هذا التقديم ليس فقط مضمون الكتاب، بل إبراز أهمية استيعاب البُعد الديني، في الأسرة المسلمة وفق الخصوصيات المغربية.

ومن أجل مقاربة واقع الوساطة الأسرية في المغرب، يقوم منخرطوا المحترف على نطاق واسع، بتوزيع استمارة إحصائية لملء مكوناتها المتعلقة بالوساطة الأسرية، وسيتم استكمال العملية في المعرض نفسه، مع تقييم النتائج الأولية ضمن برنامج المشاركة.

وقد تم تحديد البرنامج بانسجام تام مع مقاصدها، وذلك برواق كلية الآداب والعلوم الانسانية جامعة الحسن الثاني، بتاريخ السبت 8 فبراير 2020 انطلاقا من الساعة الواحدة زوالا.

– ماهي أهم الخلاصات والتوصيات عملية التي توصون بها في هذا الاطار؟

من الخلاصات العامة، الحاجة لإصدار قانون خاص بالوساطة مستقل عن التحكيم،وهذا يتماشى مع اختلاف طبيعتهما رغم أنهما من الوسائل البديلة معا، فالتحكيم قضاء إلا أنه خصوصي، بخلاف الوساطة فهي ذات طبيعة تصالحية.

ثم يلزم إصدار قوانين تنظيمية لتفعيل كل أنواع الوساطة الاتفاقية وفيما يخص الوساطة الأسرية بالذات، فالأولى إدماجها في مدونة الأسرة.

وأعتبر أن أهم خلاصة بالنسبة للوساطة الأسرية، أنها ما زالت تحتاج لتطوير سواء على مستوى التنظير أو التأطير أو التنزيل،خصوصا على مستوى التنزيل فالمشكل واضح أكثر لدى الجميع، فحل الوحيد لابد من إدخال مساطره التطبيقية في مدونة الأسرة المستقبلية.

لهذا لمحترف الوساطة الاجتماعية عدة توصيات عملية هي:
1) دعم البحث والتأطير في مجال الوساطة الاتفاقية عموما.
2) إبراز أهمية الوساطة الأسرية خصوصا.
3) تضافر جهود المهتمين بالوساطة جميعا.
4) إظهار مكانة مهمة الوسيط الأسري وتهييئه مِهنيا.
5) مأسسة منظومة الوساطة الأسرية ومهنة الوسيط الأسري معا.
6) إخراج قوانين تنظيمية لقانون التحكيم والوساطة الاتفاقية إجمالا وتفصيلا.
7) إدماج الوساطة الأسرية في مدونة الأسرة مستقبلا.
8)نشر تخصصات الوساطة في التعليم جامعيا والتكوين مهنيا.
9) تخريج وسطاء مهنيين متخصصين نظريا وعمليا.

9- فماهي تطلعاتكم المستقبلية من خلال هذا المحترف؟

لمحترف الوساطة الاجتماعية
شعار عام:
“كلما كان في المجتمع مختصون مؤهلون كلما ساد فيه استقرار موزون”
وشعار خاص:
“الأسرة المغربية في حاجة لمأسسة الوساطة الأسرية”

و أساس من تَطلعات محترف الوساطة الاجتماعية بتكويناته ومشاركاته:
“نشر ثقافة الوساطة الأسرية ومأسسة مهنة الوسيط الأسري”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى