دواعي ومقترحات تعديل مدونة الأسرة
حفيظة لبياض.
أثار موضوع تعديل وإصلاح مدونة الأسرة جدلا واسعا عبر منصات التواصل الإجتماعي، كما عرف تغطية إعلامية كبيرة، وكذلك أصبح محورا هاما للمنتديات والندوات فالمؤتمرات، بعدة مؤسسات، وذلك منذ شهر شتنبر سنة 2023، حيث أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله تعليماته السامية ، من خلال رسالة ملكية وجهها إلى عزيز أخنوش رئيس الحكومة، حث عبرها على ضرورة إعادة النظر في مدونة الأسرة.
وكان صاحب الجلالة نصره الله، قد أكد على إسناد مهمة الإشراف العملي على إعداد إصلاح مدونة الأسرة لكل من وزارة العدل، المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وإشراك المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المجلس العلمي الأعلى، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الإجتماعي والأسرة، فضلا عن فعاليات المجتمع المدني، حيث نصره الله برفع مقترحات تعديلات مدونة الأسرة التي ستنبثق عن المشاورات التشاركية الواسعة إلى جلالته في أجل أقصاه ستة أشهر.
وجاء الأمر الملكي الرامي إلى إصلاح مدونة الأسرة، عقب الإخفاقات والإختلالات المترتبة عن عدم الفهم الجيد للمضامين والنصوص القانونية لمدونة 2004، رغم الطفرة النوعية على صعيد الحقوق والمكتسبات الأسرية التي نصت عليها، وتتعلق الإشكالات التي تعترض مسطرة معالجة النزاعات الأسرية، بالتمييز واللامساواة في تطبيق المسطرة القضائية، الشيء الذي يضرب مقتصيات الفضدصل 19 من دستور 2011 عرض الحائط، وينسف الجهود الرامية إلى تكريس المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات.
ومن أبرز الإشكالات التي تعيق حل النزاعات الأسرية أمام القضاء، نذكر زواج القاصرات، تعدد الزوجات، والطلاق والتطليق، ثم ثبوت الزوجية، فضلا عن الولاية الشرعية للآباء، وذلك نظرا لعدم الفهم الجيد لمقتضيات المدونة من طرف الأطر التي تشتغل في قطاع العدل، علاوة على غياب الوعي المجتمعي بخصوص حقوق المرأة باعتبارها أساس بناء مجتمع سليم.
وبما أن الأسرة تشكل لبنة أساسية في بناء المجتمع، من خلال تربية وتكوين ثم تأهيل أجيال ذات مؤهلات تساهم في تغيير البلاد نحو الأفضل، من خلال العطاء الصادق وخذمة الوطن بكل مسؤولية، وتكريس القيم النبيلة والحسنة، فالأسرة من أبرز ركائز الحضارات، فإذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت فسد المجتمع، فالإصلاحات الكبرى لازدهار الأمم تقوم على إصلاح المجتمع من خلال تأسيس أسر صالحة.
ويترتب عن المشاكل الأسرية، التفكك الأسري الذي يؤدي إلى ظواهر اجتماعية وخيمة، كالكريساج، العنف، والأمية، ثم الإعتداء على الملك العام، كما أن الحرمان والعنف الأسري، ينتج لنا مسؤولين وغير نزهاء، يختلسون المال العام ولا يسهرون على خذمة الوطن بقدر السهر على الإثراء الغير المشروع، واستغلال المناصب لخذمة المصالح الشخصية، وذلك نتيجة عدم تلقي تربية متوازنة.
ارتفاع نسبة الطلاق أيضا لها نصيب في المشاكل الإجتماعية والإقتصادية، حيث يصبح الأطفال ضحايا الزواج الفاشل، خاصة وأن الطفولة مرحلة حساسة تحتاج الكثير من الإهتمام في وسط سليم، من أجل نمو متكامل -نفسيا، عاطفيا، إجتماعيا…-، فسلوكيات الأشخاص الغير اللائقة هي وليدة عقد غرست في نفوسهم في مرحلة الطفولة.
كما أن عدم تمتع المرأة بحقوقها، وعدم احترامها وتقدير تضحياتها وأدوارها، وممارسة شتى أنواع العنف في حقها، يهدم الأسرة، ويزيد الطين بلة ماء عدم إنصافها بشكل قانوني نتيجة عدة عوامل، كغياب الوعي، الإمكانيات المادية، المستوى الثقافي…الشيء الذي يتناقض مع مغرب الحداثة والنهضة التي يعرفها في مختلف المجالات، هذا ويعد الرجل من أبرز ركائز الأسرة، فإنصافه أمر ضروري، وبالتالي تعديل مدونة الأسرة من المرتقب أن يشمل المساواة بين المرأة والرجل.
بالنسبة للجدل الرائج بين عامة الناس، يتعلق بأحكام مسبقة ترى أن إصلاح مدونة الأسرة سيركز على منح المرأة حقوقها على حساب إقصاء الرجل من حقوقه، رغم أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، أكد في خطابه السامي بمناسبة عيد العرش المجيد سنة 2022 على مبدأ المناصفة والتوازن.
“والواقع أن مدونة الأسرة، ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة؛ وإنما هي مدونة للأسرة كلها. فالمدونة تقوم على التوازن، لأنها تعطي للمرأة حقوقها، وتعطي للرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال”.
هذا ويعتمد تعديل المدونة، على أسس وآليات هامة، من أبرزها مقاصد الشريعة الإسلامية، الثوابث المجتمعية، والتشاور والحوار بين مختلف الفاعلين والمهتمين ثم المؤسسات المعنية، وذلك في إطار بناء مغرب متقدم وتحقيق التنمية المنشودة والشاملة.
فالنقاشات السائدة في الوقت الحالي حول تعديل مدونة الأسرة، تتناول مجموعة من المقترحات والحلول البديلة، لتجاوز الإكراهات والعوائق المرتبطة بتطبيق مقتضيات المدونة وتنزيل أحكام المسطرة القضائية بمحاكم الأسرة.
في ذات الصدد، يقول الدكتور فؤاد الربع، رئيس مركز الشرق للدراسات والأبحاث، وباحث في القانون العام، في تصريح ل “الوطنية”، أن الدعوة إلى تجديد مدونة الأسرة وإعادة النظر في بنودها، جاء بعد مرور 20 سنة من تطبيقها وإخراجها إلى حيز الوجود، الشيء الذي أفرز بعض الهفوات والإشكالات.
وأردف “الربع” أن أمر الملك محمد السادس، بإعادة النظر في مدونة الأسرة وفق ما تمليه الشريعة الإسلامية، وإتخاذ الثوابث الدستورية للدولة المغربية بعين الاعتبار، من أجل إصلاحات ذات المدونة التي تعد ضرورية، وفي هذا الإطار يمكن القول أن التعديلات ستشمل، الرفع من سن زواج القاصرات الذي يطرح عدة مشاكل نظرا لصغر سن الزوجة، والواقع المعاش الذي يجعلها غير متمكنة من مواكبة الظروف الإجتماعية، مما يؤدي إلى الطلاق المبكر للقاصر.
وأضاف ذات المتحدث، إن المدونة يمكن أن تشمل تعديل نقطة جوهية، ويتعلق الأمر بالولاية الشرعية للأم، وإعطاءها الحق للتكلف بالأمور الإدارية للأطفال بعد الطلاق، فضلا عن تطليق الغيبة وما يثيره من هضر للزمن القضائي والزمن المرتفق، فأغلب ملفات تطليق الغيبة تستغرق ما يقارب السنة نظرا للإجراءات المعمول بها.
ومن المنتظر أن يشمل تعديل مدونة الأسرة، مسألة متعة الزوجة. أي تعويضها ماديا بعد الطلاق، حيث يحكم القاضي بمبالغ مالية تثقل كاهل الزوج وتجعله يتراجع عن قرار الطلاق، حيث تصبح الأسرة معلقة بين نارية، وبالتالي تتفاقم المشاكل وينعدم الإستقرار الأسري، علاوة على مشكل تنفيذ النفقة التي لا تلائم الإمكانيات الإقتصادية للرجل، يقول الدكتور فؤاد.