جماعة جرسيف توزع المنح بالكانة والرشوق .. دعم التفاهة، ومحاربة الجمعيات الجادة
محمد العشوري.
منذ تشكيل مجلس الجماعة الحضرية لجرسيف عقب الانتخابات الجماعية الأخيرة، كان مختلف الفاعلين الجمعويين يتوقعون أن يحدث تغيير جذري في التعاطي مع مشاكل المدينة وهموم ساكنتها، خاصة وأن هذا المجلس جاء بعد حرب شرسة خاضها مختلف الفاعلين بالمدينة ضد من كانوا يعتبرونهم رموزا للفساد “السياسي”.
غير أن هذا الحلم الكبير بدا يتلاشى شيئا فشيئا، بعدما أكد المجلس أن سياسته لن تأتي بجديد يذكر، خاصة فيما يخص التفاعل والتواصل مع هيئات المجتمع المدني بشكل عام والجادة بشكل خاص، حيث استمرت نفس الجمعيات الشكلية التي كانت تستفيد من منح مالية دسمة، دون عمل ميداني حقيقي، بينما ظهرت جمعيات جديدة تسير على نفس المنوال وأتذكر جيدا رئيس إحدى الجمعيات التي كانت قد تأسست مباشرة عقب انجلاء غبار الانتخابات التشريعية لسنة 2016، حين صادفته يعد ملف طلب الدعم وكان حينها يحمل (وصل إيداع مؤقت يخص جمعيته الحديثة التأسيس) حيث قلت له أن ملفه قانونيا مرفوض، “خاصك وصل إيداع نهائي” فكان أن رد علي وابتسامة واثقة تعتليه، “أنا جاي من البلدية وراه قالولي غانعطيوك المنحة غير كون هاني”.
استغربت حينها من هذا القول، وسرعان ما استجمعت أفكاري وقلت (في قرارة نفسي) غالبا هذا الشخص هو من أنصار الرئيس وممن قاد حملاته الانتخابية لذلك فهو يريد أن يرد له الجميل ويتهلا فيه، وتجاوزت الموقف على اعتبار أن الجمعية تأسست بحي حمرية الذي يعاني من مشاكل اجتماعية صعبة.
ولكن توالي السنوات أكدت بالملموس أن المجلس ماض في تعاطيه السلبي مع كل الجمعيات الجادة والفاعلة (إلا من رحم ربي) والتي تمتلك برامج ذات أثر ووقع حقيقي على مختلف الفئات المجتمعية بجرسيف.
حيث كان ملحوظا جدا أن معظم هذه الجمعيات إما يتم إقصائها بشكل مباشر من المنح السنوية أو أنها تستفيد من منح تكرس منطق الاستهزاء بمجهوداتها، والسخرية من برامجها بما في ذلك الفاعلة في مجال الدفاع عن ” قضية الصحراء المغربية” بتقيدم منح لا تتجاوز في أحسن الأحوال (03 ألاف درهم)، وكأن للمجلس موقفا من القضايا الوطنية التي يقودها جلالة الملك محمد السادس والذي يحث عبر مختلف خطاباته الملكية في كل مناسبة على ضرورة تضافر جهود كل الفاعلين السياسيين والنقابيين والجمعويين وكذا الإعلاميين ومختلف المواطنين للدفاع عنها.
وأتذكر جيدا حين رفض رئيس المجلس (بشكل غير مبرر) توفير وسيلة نقل لجمعية سواعد للتضامن والتنمية من أجل تسهيل تنقلها إلى جماعة بركين في إطار فعاليات القافلة الإقليمية للتوعية والتحسيس بأوضاع الأطفال المحتجزين بمخيمات تنذوف، والتي كانت تستهدف توعية الشباب المتمدرس بإقليم جرسيف، والتي استفاد منها أنداك أزيد من 990 تلميذ وتلميذة، عبر كل مؤسسات التعليم الثانوي والإعدادي بإقليم جرسيف.
ولم أكن لأستغرب ما أسفرت عنه دورة ماي 2019 العادية لمجلس هذه الجماعة من توزيع غير منطقي للمنح بشكل سخي على بعض الجمعيات التي لا يعرفها أحد، بل وجمعيات تم تأسيسها حديثا جدا، بشكل يتناقض حتى مع الشروط التي يضعها هذا المجلس نفسه، في الوقت الذي اعتاد نفس المجلس أن يقوم بإقصاء جمعيات نشيطة وفاعلة على مدار العام ويشهد لها الجميع بالكفاءة والتفاعل مع القضايا المحلية والجهوية والوطنية التي تهم المواطن الجرسيفي على وجه الخصوص (لأسباب سياسية أو شخصية أو متعلقة بكانة ورشوق المسؤول عن توزيع هذه المنح).
إن ما لا يعيه هذا المجلس هو أن سياسته هذه التي تجر وستجر عليه وابلا من النقذ والسخط لن تزيد الأمر إلا تعقيدا، وهنا أخص بالذكر ما يهم دعم الجمعيات والمبادرات الثقافية الجادة والهادفة ذات الوقع والأثر الملموس، والتي تعمل على تكوين أجيال مواطنة ومسؤولة، وتعمل على غرس القيم النبيلة لدى الشباب والناشئة وعموم فئات المجتمع، وليس تلك الجمعيات (ذات المنح التي تتجاوز المليون) والتي تنظم حفلة واحدة في السنة (قد تكون بمناسبة عيد ميلاد رئيسها (تها) تتخللها فقرات “الشطيح والرديح” وتكريم الرئيس لأمينه والكاتبة لزوجها وهلم جر ..
كما يجب على أعضائه أن يفهموا أن التنمية الحقيقية تبدأ بتكوين الإنسان الذي هو أساس هذه التنمية وعمودها الفقري، والمعني الأول والوحيد بالحفاظ عليها أو تخريبها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الوضع الكارثي الذي يعيشه الحقل الجمعوي بجرسيف، كان سببا في انسحاب عدد كبير من المثقفين والفاعلين والأطر الجمعوية ذوي الكفاءة العالية، بعدما وجدوا أن الدعم يستفيد منه الأميون والتافهون الذين صاروا بقدرة قادرة ممثلين للنسيج الجمعوي بكرسيف لدى مختلف الجهات المحلية والجهوية والوطنية.
إن التنمية الحقيقة لا ترتبط فقط ببناء الطرقات والبنايات والمنشآت بل هي أساسا بناء المواطن الصالح والمثقف العارف بمصلحة وطنه وإقليمه ومدينته، والذي يعي جيدا مدى أهمية المشاريع التنموية وأهمية المحافظة عليها وتتمينها والمساهمة في نجاحها، ولمجلسكم الموقر واسع النظر..