“مول الشكارة” يهدد قوت الحلاقين بجرسيف…( روبارتاج سفيان خلوق)

الفوضى تسود مهنة الحلاقة بجرسيف… و”الحرايفية” يطالبون المسؤولين بتحسين شروط المهنة.
سفيان خلوق
وما إن تقف عند أحد صالونات الحلاقة وسط مدينة جرسيف، إلا وتثيرك إحدى الملصقات التي تظهر عليها صور أفضل قصة شعر للرجال، القصات تتنوع بين صنف الحلاقة العصرية وصنف الكلاسيكية (“السليكد لوك”، “ميسي كات”، “لونغ هيركات”، “الكلاسيكية”). يذهب الراغبون في حلق رؤوسهم لصالون الحلاقة، للظهور بشكل القصة العجيبة المختارة على الملصق، يحملقون فيه، ويقولون لحلاق “الفيلاج” بصوت مرتفع وبلهجة الدارجة: “أخويا بغيت هادي”، وفي ظنهم أن صديقهم الحلاق قادر على إتقان القصة.
وكذلك بعض النساء والفتيات يلجن صالونات الحلاقة، للظهور بحلة جميلة وبقصة تناسب أذواقهن، وخاصة في زمن العولمة، الذي أيضا امتهن فيه مهنة الحلاقة كل من النساء والرجال. أما الطاعنون في السن يريدون التخلص من كثرة الشعر الذي يبدو الشيب غالبا عليه في الرأس واللحية، ولوللظفر بجزء من ذكريات الشباب، كل يأمر حلاق “الحومة” أو حلاق الحي بحلق رأسه أو لحيته أو شاربه بآلة عصرية وآخر بطريقة تقليدية.
الحلاقون الكلاسيكيون أو العصريون من جنسي النساء والرجال، منهم من ارتمى في أحضان هذه المهنة للنجاة من العطالة كالشباب، وآخرون أصبحوا جيلا مخضرما في المهنة التي يحتقرها البعض، والبعض الآخر اختار المهنة كمرتزق، كل هؤلاء يكدحون اليوم كاملا لإسعاد أسرهم وجمع قوتهم اليومي رغم إكراه غلاء كراء المحل وتطفل البعض على مهنة الحلاقة والتجميل.
“مول الشكارة“
في أحد الجلسات المسائية خلال الشهر الماضي داخل أحد الصالونات وسط مدينة جرسيف، في حديث مع رشيد كوراس رئيس جمعية جرسيف للبيئة والتنمية والتأهيل الحرفي، رشيد تحدث وبنبرة من الغيرة على مهنة الحلاقة قائلا: “يقوم المهني (مول الشكارة) بشراء مفتاح أحد الصالونات في وسط المدينة بثمن باهض يقدر بعشرات الملايين، ويأتي بحلاقين يتباين مستواهم في الحرفة”، ويضيف رشيد وعلى وجهه علامات الاستياء: “يجمع بين المتطفل على المهنة والمحترف، ويريد بهذا ضبطهم على إيقاعه، لا تهمه إلا الأموال وكل من تأخر دقيقة عن عمله، يصبح مطرودا وصديق الشارع، لا يعرف طعما للمهنية، لأن غايته الوحيدة المهني الذي جلبه لخدمة أوامره، وليس المهني الكفئ”.
ويصرح أحد الحلاقين بوسط مدينة جرسيف وبنفس الصالون، وبنبرة من الغضب، أن الضرائب التي يتوصل بها لا تناسب دخله الشهري رغم أنه يوجد وسط المدينة أو “الفيلاج” كما يحلوا لأهل مدينة جرسيف تسميته، ويستكمل كلامه قائلا: “نريد من السلطات التي تشرف على إرسال الضرائب إلى مهنيي الحلاقة القيام بتشكيل لجان لمراقبة مداخيل الحلاقين بالموازاة مع وضعهم المعيشي وعدد الأبناء ومصاريف المهنة التي ارتفعت تكاليفها عندما قامت السلطات الوصية على قطاع المالية بتعويم الدرهم”.
هواة المهنة
يحكي رشيد كوراس، أن مهنة الحلاقة في الماضي كانت أنبل من الآن، حيث كانت لها قيمة، من خلال حصول الحلاق على البطاقة الصحية التي تمنح من وزارة الصحة، إذ يتم تجديدها كل 6 أشهر.يستكمل حديثه قائلا: “لا يوجد توحيد وضبط للأثمنة من وزارة الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، وكل حلاق بحومتة أو منطقته يقوم باختيار الثمن على مقاسه”.
يستمر الحديث مع رشيد وأحد أصدقائه، ويقول المتحدث مضيفا: “المهنيون القدامى يطالبون بتقنين المهنة للتقليص من عدد الحاصلين على الديبلومات بشكل غير قانوني، ليحصل التلميذ الذي احترف في المهنة على وظيفته”. ويقول صديق رشيد وهو أحد الحلاقين المزاولين للمهنة: “لا توجد شراكات للتدريب في الصالونات العاملة بالمدينة مع المدارس الخاصة لتعليم الحلاقة، ويسود الهواة في المهنة، ويستطيع أي أحد شراء الديبلوم من جهات مجهولة، و يمكن له الحصول على بطاقة الحلاق، وهو لا ينتمي إلى هذه المهنة، وبعيد عنها كل البعد”.
يطاقة هوية
خلال أيام فصل الربيع الأولى بأواخر شهر مارس، بمحل “فوطوكوبي” بحي الشوبير، حلاق يمارس مهنة أخرى بالمحل الموجود أمام المقاطعة الإدارية الثالثة، الحلاق احمد العامل بالمحل وهو في عقده الثالث، يقول إنه تخلى عن مهنة الحلاقة لدخلها الضعيف بحي الشوبير لأنها لن تمكنه من سد قوته اليومي، وذلك لأن الثمن الذي يؤديه الزبون الذي يساوي 10 دراهم غير مناسب، ومحاربة البطالة كحاصل على شهادة الإجازة”. يستطرد الحديث، لا توجد نقابة تدافع عن حقوقنا كمهنيين ولا تأطير قانوني للدولة لنا للحد من الفوضى بهذه المهنة”.
ويقول احمد بنبرة فيها من الحسرة الشيء الكثير إن الحلاق في جرسيف من المهنيين الذين يربطون علاقات كثيرة مع أناس عديدين من أعمار مختلفة، إذ يجب أن يحظوا بالتأطير والتكوين الثقافي والتربوي لترك بصمة إيجابية داخل المجتمع، يستكمل حديثه قائلا: “البطاقة المهنية الممنوحة من الغرفة الجهوية للصناعة التقليدية بجهة الشرق لا ترقى إلى المطلوب، إذ أنها مجرد بطاقة هوية دون أي ضمانات تذكر”.
وفي أحد صالونات الحلاقة وسط “سوق مليلية ” بجرسيف، وبجنب النظارات المختلفة الألوان والمثيرة، يجلس عبد الكبير كربوز في أحد أمسيات منتصف شهر أبريل مستريحا، ليتحدث عن وضعه المهني. يقول الحلاق الشاب أن تكاليف مهنة الحلاقة كبيرة بالمقارنة مع مداخيلها خاصة تكاليف الكراء والكهرباء. يضيف الشاب أنه إذا تزوج في هذه الحال الصعبة لن يكفيه هذا المدخول لتحمل تكاليف الأسرة، ويقترح أن الثمن الذي يجب أن يؤديه الزبون هو 20 درهم كحد أدنى نظرا لغلاء المعيشة، إذ خلال هذه الظرفية ارتفعت أثمنة أدوات الحلاقة وخاصة أن اغلبها مستوردة من الخارج”.