كُتّاب وآراء

فشل السياسات وأداء الأحزاب والنخب في عهد حكومة أخنوش يفضيان إلى أزمة ثقة وانفجار الشارع

عبد الله مشنون/ كاتب صحفي مقيم في ايطاليا.

ليلة أمس حملت رسائل بالغة الدلالة. فقد اختار المغاربة، رغم الاحتقان، أن يُعبّروا عن مطالبهم بروحٍ عالية من المسؤولية.

في الدار البيضاء، خريبكة، ومدن أخرى، خرجت مظاهرات سلمية نظمتها شرائح مجتمعية مختلفة، أكدت من جديد أن الشارع ليس ساحة للفوضى، بل منصة لإيصال رسائل ملحّة تنتظر إجابة سياسية حقيقية.

لم يكن الهدف كسر النظام، بل كسر الصمت. ولم يكن النزول إلى الشارع دعوة للتخريب، بل تعبيرًا عن يأس وظلم وتهميش للمواطن المغربي، وسؤال كبير ينتظر جوابًا من مؤسسات بدا أنها غائبة عن اللحظة.

وسط هذا الحراك المجتمعي الذي دعت اليه  “GEN Z”، خيّم صمت غير مبرر من حكومة عزيز أخنوش وجميع الاحزاب السياسية المغربية والنخب، التي فضّلت الاكتفاء بالمراقبة عن بعد، في وقت كان الشارع في أمس الحاجة إلى خطاب مسؤول، يعترف بالمشاكل، ويقدّمحلولا للمشاكل التي تضر بالمواطنين.

المؤلم أن غياب التفاعل لم يقتصر على السلطة التنفيذية، بل انسحب أيضًا على الطبقة السياسية بمجملها، التي اختارت، مجددًا، الغياب عن واجبها في التفاعل مع نبض المجتمع.

الاحتقان الاجتماعي ليس وليد اللحظة. سنوات من التدهور في المرافق العمومية، خصوصًا في قطاع الصحة والتعليم، عمّقت الإحباط الجماعي. المواطن المغربي يواجه اليوم معاناة مضاعفة: بين مستشفيات عمومية تعاني من نقص الأطر والأدوية، ومصحات خاصة أصبحت في كثير من الحالات عبئًا ماليًا وخطرًا على سلامة المرضى بسبب غياب الرقابة والضمير المهني والمحاسبة والعقاب.

ما يحدث اليوم لا يمكن اختزاله في مشهد احتجاجي عابر. هناك أزمة ثقة حقيقية بين المواطن والحكومة والبرلمانيين. أغلب الأسر تعيش تحت الضغط، بالكاد توفر حاجياتها الأساسية. الشباب يشعر بأنه خارج المعادلة، والطبقة السياسية تبدو منشغلة أكثر بحسابات المواقع والمناصب.

المعادلة واضحة: لا استقرار بدون عدالة اجتماعية، ولا شرعية سياسية بدون استماع حقيقي لصوت الناس.

المغاربة لا يطلبون المستحيل. إنهم يطالبون فقط بالعيش بكرامة، بالحصول على تعليم جيد، وعلاج لائق، وفرص متكافئة.

أعمال التخريب التي شهدتها بعض المناطق يجب أن تُدان بكل وضوح، فهي لا تخدم سوى أعداء الوطن. لكن لا يجب أن تُستخدم كذريعة لتجاهل عمق الأزمة، أو التهرب من واجب الإصلاح.

هذه لحظة مفصلية. المطلوب ليس فقط حلولًا تقنية أو تصريحات مطمئنة. ما ينتظره المواطنين المغاربة اليوم هو جرأة سياسية حقيقية، تضع أولوياتهم في قلب القرار، وتترجم ذلك إلى سياسات واضحة على الأرض.

على حكومة اخنوش أن تغادر منطقة الصمت، وأن تضع حدًا لهذا الغياب المتكرر في الأوقات الحرجة. وعلى الأحزاب أن تُراجع علاقتها بالناس، وأن تدرك أن من يبتعد عن الشارع يخرج من التاريخ.

المغرب يحتاج اليوم إلى قيادة سياسية تستوعب حجم التحول، وتدرك أن الشباب المغربي لم يعد يقبل الخطاب المعلّب، ولا الوعود الفارغة، بل يريد من يصغي إليه بصدق، ويخاطبه بلغة الواقع ويواجهه بالحقيقة، لا بزخرف الكلام وتجاهل الوقائع.

الغضب ليس عدوا للوطن، بل مؤشر على أن الروح ما تزال حيّة. والمطلوب اليوم أن نلتقط هذا الإشعار قبل أن يتحوّل إلى كارثة.

الاحتجاجات رسالة. والرسائل لا تُقمع، بل تُقرأ.

إما أن نصنع إصلاحًا حقيقيًا يليق بتضحيات هذا الشعب، أو نواصل دفن الرؤوس في الرمال حتى تنفجر التراكمات في وجه الجميع.

الخيار ما زال ممكنًا… والمغاربة أملهم قوي وكبير جلالة الملك محمد السادس حفظه الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى