المغاربة والمحن .. نموذج “البون”
ابتسام بهيج
عرف المجتمع المغربي مرحلة الحماية الفرنسية تحولات عميقة نتيجة الوافد الجديد والوضعية الدولية المحيطة به، سواء على المستوى السياسي، الاقتصادي أو الاجتماعي. وقد ارتبط اقتصاد المغرب باقتصاد فرنسا، حيث اعتبر المغرب خزان فرنسا ومزودها بما تحتاج إليه من المواد الغذائية الضرورية لجيوشها، خلال الحرب العالمية الثانية، معتمدة سياسة القمح لضمان التموين للمتروبول، وبعد فشل سياسة القمح لجأت إلى تنويع المنتوج باعتماد الري، وبالتالي الاهتمام بالبواكر والحمضيات. وقد تركزت الأراضي الخصبة في أيادي المستوطنين والقواد الكبار والشركات الأجنبية، بينما اكتفى صغار الفلاحين باستغلال مساحات ضيقة مجبرين على أداء ضرائب مجحفة، لكن المعمرين اهتموا كثيرا بالزراعات التسويقية لتلبية حاجات السوق الفرنسية والإسبانية، في وقت تراجعت فيه أهمية المنتوجات المعيشية، مما تسبب في نقص الغذاء وانتشار المجاعة والأمراض والأوبئة، حتى أن سلطات الحماية اضطرت إلى تطبيق نظام التموين “البون”.
وتحمل بطاقة التموين “البون” وجهين، يضم أحدهما اسم المنطقة المستعملة لبطاقة التموين، واسم ونسب المستفيد والرقم، و15 خانة بها أرقام من 26 إلى 40، وتقطع هذه الخانات للحصول على المواد الاستهلاكية، أما الطرف الآخر فبه عدد من الأختام، وكثرة الأختام تدل على كثرة الإجراءات وصعوبة الحصول على المواد الاستهلاكية الضرورية.
واعتبر “نظام التموين” أو “البون” طريقة جديدة لمواجهة الأزمة الغذائية، اعتمدتها سلطات الحماية لتوزيع المواد الاستهلاكية، حيث بدأت المواد تؤخذ بأوراق البون بعد شرائها، وتتم عملية التوزيع من طرف البلديات التي وضعت دفاتر خاصة (كارنيات)، أو بطاقات التموين ذات ألوان وأرقام، خصت منتوجات متعددة منها الزيت والسكر والبيض والشاي والقهوة والصابون والبطاطس والوقود، ومنها ما ضم الأثواب والألبسة على اختلاف نسيجها قطنا أو صوفا أو كتانا وخيطا، ويوزع التموين على المتاجر حسب الأحياء والدروب، وقد عملت إدارة التموين على تغيير لون البطاقة كل ستة أشهر وكانت بطاقة التموين تقطع إلى قطع، كل تقطيع يصلح لاقتناء مادة واحدة. وقد عمل “ليوطي” على توفير الشاي والسكر للمغاربة دراية منه بمدى أهميتهم.
وتعتبر بطاقة التموين أو البون ضرورية للحصول على المواد الأساسية، التي يصعب الحصول عليها كالسكر والخبز والدقيق والشاي التي تقدم للمغاربة بكميات قليلة ومن النوع الرديء، وتصف جريدة الحرية ” شكوى الناس من أكل الخبز مرة فطيرا ومرة غير معجون، وتارة خليطا بالتراب والحصى”. ولم تكن الحصص المتوفرة لذلك “تفي قط بضروريات العيش ولا بما يقتضيه الطهي من دهن أو غيره من المواد”.
ونتيجة لتدهور الأوضاع بالبلاد، تضررت القدرة الشرائية للمغاربة وتفشت البطالة في المدن والبوادي، وقد تباينت درجة تضرر المغاربة بحسب أوضاعهم الاجتماعية، ووسائل ارتزاقهم وكسب عيشهم، فمن ضاقت بهم السبل هاجروا نحو أقرب مدينة بحثا عن لقمة العيش.