اقتصاد

  فرانس 24 : ماذا وراء حملة مقاطعة علامات تجارية شهيرة بالمغرب؟

سلطت حملة مقاطعة ثلاث علامات تجارية بالمغرب الضوء على “زواج المال والسلطة”، على الرغم من الغموض المحيط بالداعين إليها. إذ اعتبر مراقبون أن المشكلة سياسية وليست قانونية، لأن الدولة لم تضع آليات لمراقبة تضارب المصالح.

تشهد حملة مقاطعة علامات تجارية  بالمغرب تجاوبا كبيرا بعد شهر على انطلاقها، رغم الغموض المحيط بالواقفين وراءها. وألقت هذه الحملة الضوء على “زواج المال والسلطة”، وتضارب المصالح لدى أشخاص يتولون مراكز قرار إلى جانب أنشطة اقتصادية.

وتستهدف الحملة التي انطلقت على موقع فيس بوك دون أن يتبناها أحد منذ 20 نيسان/أبريل الماضي، محطات توزيع الوقود “أفريقيا” ومياه “سيدي علي” المعدنية ومنتجات “دانون”، من أجل الضغط على هذه الشركات المستحوذة على الحصة الأكبر من السوق كي تخفض أسعارها.

لكن محللين يرون فيها أيضا رسالة ضد السياسيين المهيمنين على المجالين السياسي والاقتصادي.

وكشف استطلاع للرأي شمل أكثر من 3700 مستجوب ونشرته جريدة “ليكونوميست” المغربية أن 74 في المئة  سمعوا عن المقاطعة، و57 في المئة يستجيبون لها، موضحة أن “الطبقة الوسطى تقود المقاطعة”.

ويرى المحلل السياسي عزيز شهير في هذه الحملة “رسالة رمزية تتجاوز المطالب الشعبية حول خفض الأسعار، توجهها الفئات الوسطى ضد هيمنة فاعلين سياسيين في الحقلين السياسي والاقتصادي”.

ومن أبرز هؤلاء السياسيين، مالك شركة “أفريقيا” عزيز أخنوش وهو على رأس وزارة الفلاحة منذ 2007 والذي يتعرض لانتقادات كثيرة تركز على “تضارب المصالح”، خصوصا في أعقاب كشف تقرير برلماني عن استفادة شركات توزيع المحروقات من أرباح وصفت بـ”غير المستحقة” منذ تحرير القطاع في 2015.

وقدرت نسخة أولية من التقرير بأن هذه الأرباح تجاوزت 15 مليار درهم (حوالى 1,3 مليار يورو) نالت منها شركات “أفريقيا” و”توتال” و”شل” و”بترومين” الحظ الأوفر.

وقالت الصحف المغربية إن هذه المعطيات ما كانت لترى النور “لولا ضغط” المقاطعة.

تضارب المصالح

ويقول المحلل السياسي أحمد بوز إن “الالتفاف الواسع حول المقاطعة يعبر عن وعي بضرورة الفصل بين المال والسياسة”، دون استبعاد احتمال “تصفية حسابات سياسية”.

وأكد بيان لمنظمة الشفافية “ترانسبارنسي المغرب” غير الحكومية أن “مبعث المقاطعة الحقيقي هو منظومة اقتصاد يقوضها الريع والفساد وتداخل السلطة السياسية مع سلطة المال”، معتبرا أن “تحليل مثل هذه الحملة من خلال العامل الوحيد المرتبط بالأسعار هو بالضرورة تحليل اختزالي”.

وشكل تضارب المصالح بين احتلال مراكز القرار وممارسة أنشطة اقتصادية مادة دسمة للصحافة المغربية في سنوات الألفين وخصوصا بالنسبة إلى الشركة الوطنية للاسثتمار التي تملكها العائلة المالكة، وأضحت اليوم محفظة استثمارية تحمل اسم “المدى”.

وتصدر الاحتجاج على “زواج المال والسلطة” وإثراء النخب النافذة تظاهرات حركة “20 فبراير” في مدن مغربية عدة في سياق “الربيع العربي” سنة 2011 والتي تمخضت عن آمال كبرى بتغيير لم يتحول إلى واقع فعلي.

وأرجعت الأزمة التي أعقبت انتخابات 2016 وتمثلت في العجز عن تشكيل حكومة لأشهر طويلة بسبب التجاذبات السياسية، إلى الواجهة نفوذ الوزراء التكنوقراط ورجال الأعمال، خصوصا رئيس حزب “التجمع الوطني للأحرار” عزيز أخنوش الذي استطاع فرض شروطه في تكوين الحكومة الحالية وبات يوصف بالرجل القوي داخلها.

لذلك، يرى عدد من المحللين أن استهداف شركة “أفريقيا” يرتبط بالموقع السياسي لمالكها.

في الوقت نفسه، تتهم تقارير رجل أعمال آخر هو وزير الصناعة مولاي حفيظ العلمي باستغلال موقعه لإقرار إعفاء ضريبي استفاد منه في صفقة بيع شركته للتأمينات “سهام” إلى مجموعة “سانلام” الجنوب أفريقية. ونفى العلمي هذه الاتهامات، معتبرا أنها “مست بمصداقيته” وطلب من رئيس الحكومة فتح تحقيق حول المسألة.

ولم تعلن بعد نتائج هذا التحقيق.

“قواعد أخلاقية”

ويصرح رئيس مجلس المنافسة عبد العالي بنعمور “إن القانون لا يمنع رجال الأعمال من تولي مناصب حكومية، ويشترط فقط تفويض توقيعاتهم لأشخاص آخرين يتكلفون بتسيير أعمالهم، لكن هناك قواعد أخلاقية يجدر بهم احترامها لتفادي تضارب المصالح”.

ويشرح العضو في “ترانسبارنسي المغرب” فؤاد عبد المومنيمن أن “المشكل سياسي وليس قانونيا، لأن الدولة لم تضع آليات تحدد بدقة حالات التنافي ومراقبة تضارب المصالح وزجر الممارسات غير السليمة، ولم تخلق ثقافة الشفافية والمساءلة”.

ويتابع متحدثا لوكالة الأنباء الفرنسية أن حملة المقاطعة “خطوة هامة ومفرحة تخلق الثقة في إمكانية التأثير في القرار كما كان الشأن بالنسبة لحركة 20 فبراير، وتساهم في فضح الريع والخلط بين السلطة والمال”.

وألقى هذا النقاش بظلاله على الحملة التي سبقت انتخاب وزير الخارجية السابق صلاح الدين مزوار هذا الأسبوع على رأس اتحاد المقاولات. وشكل ترشح مزوار ، لهذا المنصب مفاجأة وهو الذي شغل مناصب وزارية بين 2004 و2017. وقال الرئيس الأسبق للاتحاد حسن الشامي عشية الانتخاب إنه “سينال أصوات رجال الأعمال الذين يرون أن على الاتحاد لعب دور سياسي”.

وأضاف متحدثا لمجلة “تيل كيل” أن “الخلط بين المال والسياسة يشكل خطرا في العالم أجمع”.

فرانس24/ أ ف ب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى