كورونا يميط اللثام عن واقع المرأة المغربية الكادحة .. بحث عن لقمة العيش مرة في ظل قانون غير مفعل
دنيا الحبشي
في ظل أزمة فيروس كورونا المستجد تم تسليط الضوء على كل من الجوانب العلمية و التقنية و كذا الجوانب الاقتصادية والسياسية للجائحة دون ما ملل أو كلل، بينما أهملت الجوانب السوسيولوجية التي تهم و تطال المجتمع عامة و الفرد خاصة و تدرس ظواهره الاجتماعية.
فمنذ القدم تعد المرأة كائنا بشريا ذو دور محوري وحيوي في مختلف المجتمعات البشرية حيث يمتد دورها التاريخي و الرئيسي عبر التاريخ للدفاع عن القضايا الوطنية، ليمتد كذلك في مواجهة فيروس كورونا و نضالها الوطني, الذي لا يتعلق بتاتا بالمطالبة بحقوق أو نيل حريات و لا من أجل مقاربة النوع الاجتماعي، بل من أجل حماية الأسرة والوطن من الوباء، و نظرا للوضع الوبائي الحالي و الصدمة العميقة التي تلقاها المجتمع و اقتصاده ,فقد انضافت للمرأة المغربية العديد من الالتزامات، فالمرأة سواء كانت ربة بيت، عاملة، موظفة أو مستخدمة تعتبر محور رئيسي من محاور مواجهة هذا الفيروس، ذلك أن مسؤوليتها الاجتماعية و الأسرية تضاعفت وازدادت التزاماتها مع فترة الحجر الصحي، بل و تعددت بين تلبية طلبات أفراد أسرتها للرفع من مناعتهم و معنوياتهم و بين مهام البيت التي لا تنتهي، كما ساهمت في توعية أسرتها و توجيهها للإجراءات الاحترازية الوقائية و تعزيز روح مسؤولية أبناءها و تربيتهم على المواطنة ,فتحمل المرأة لمسؤولية التوجيه و رفع الوعي الصحي للأسرة يضمن نجاح الإجراءات الاحترازية و بالتالي مجابهة انتشار الفيروس اللعين .
رغم هذه الظروف الصعبة لم تكتفي المرأة بالأعمال الأسرية بل خرجت من بيتها إلى مجتمعها بعزم و قوة شديدين لمزاولة الأعمال الوطنية والمشاركة في الحياة الاجتماعية ,ففي تقريرأدلى به موقع نيويورك تايمز ” بأن خبراء الصحة يشعرون بالقلق نظرا لأن الادوار التي تقوم بها المرأة داخل المجتمع من الممكن ان تضعها بشكل مباشر في مسار فيروس كوفيد 19 المستجد”.
وكشفت كذلك المنظمة الدولية أن النساء يقدمن مساهمات أساسية كقادة و مستجيبات في الخطوط الأمامية، و مهنيين صحيين، و متطوعين مجتمعيين، و مديري النقل و اللوجستيات، و علماء ، رغم أنهن أكثر تضررا من الآثار الصحية و الاقتصادية و الاجتماعية لانتشار الفيروس.
والنساء المغربيات كغيرهن من نساء العالم يتحملن وطأة الاضطراب الاجتماعي و الاقتصادي ,على الرغم من أن بعضهن يكابدن الويلات في فترة الحجر الصحي نتيجة تعرضهن للعنف الأسري، فقد شهدت هذه الفترة تداعيات اجتماعية وخيمة خاصة على النساء ,حيث تزايد العنف خلال الفترة المذكورة بشكل واضح، وهو ما نجده في عدة تقارير لجمعيات حقوقية و مؤسسات رسمية دقة ناقوس الخطر لتؤكد ارتفاع معدل العنف القائم على هذا النوع الاجتماعي.
لا يمكن الحديث عن معاناة المرأة المغربية خلال فترة الحجر الصحي دون ذكر العاملات الزراعيات، حيث يطال الحجر و يهدد حياتهن و صحتهن السيكولوجية و الفيزيولوجية نظرا للعمل المستمر في المزارع من أجل تأمين الغذاء الجماعي, فتمتعنا بغذاء آمن لم يكن بالأمر السهل بل نتيجة عرق و خوف و دموع العاملات الزراعيات.
العديد من العاملات الزراعيات وجدن أنفسهن بين مطرقة الفيروس اللعين و سندان جشع بعض أرباب العمل حيث أتبثث شهاداتهن أن الإجراءات الاحترازية المفروضة منذ شهور لم يتم احترامها، إذ أن أرباب العمل لم يوفروا أدنى شروط السلامة الصحية من كمامات و معقمات طبية و قفازات وقائية مع العلم أن العاملات الزراعيات يعملن أكثر من ثمان ساعات في اليوم بأجر يتراوح ما بين 50 و 75 درهما لليوم فهل بمقدرتهن شراء المستلزمات الوقائية بأنفسهن ؟
ومن المعلوم في قانون الشغل أن من بين التزامات المشغل حفظ صحة الأجراء و سلامتهم، فحسب ما جاء في المادة 281 من مدونة الشغل، يجب على المشغل أن يحرص على توفير شروط الوقاية الصحية ومتطلبات السلامة اللازمة للحفاظ على صحة الأجراء، كما يجب أن يسهر على نظافة أماكن العمل ويلتزم بتجهيز أماكن الشغل تجهيزا يضمن سلامتهم، وبالمقابل فإن المشغل الذي لا يتقيد بأحكام هذه المادة يعاقب طبقا لما جاء في المادة 296 بغرامة مالية من 2000 إلى 5000 درهم ؟ وفي حالة ما إذا أصيب أجير أو عدة أجراء بالمرض، وتعرضت حياتهم للخطر نتيجة عدم التزام المشغل بتفعيل هذه الإجراءات الاحترازية في مقر العمل، فهل تعد هذه الغرامة رادعة له ؟هذا ما يترجمه واقعنا الحالي مع البؤر المهنية، فهل توازي هذه الغرامة ثمن الكمامات و القفازات والمعقمات ؟ الحال نفسه قبل زمن كورونا فحياة الأجراء و تعريض صحتهم للخطر تتطلب تشديدا في العقوبة وليست عقوبة كهذه.
وحسب ما جاء في المادة 300 من مدونة الشغل أن العقوبات المفروضة على المشغل المخالف قد تصل إلى حد الإغلاق المؤقت للمقاولة طيلة مدة لا يمكن ان تقل عن عشرة أيام ولا أن تتجاوز ستة أشهر سواء كانت مسطرة الإنذار سارية أم لا، حيث يكون الأمر بالإغلاق الذي يصدره رئيس المحكمة الابتدائية بناء على محضر يحرره مفتش الشغل ويوجهه اليه، بعد ان يكون قد نبه المشغل و أعرض هذا الاخير عن الامتثال لهذا التنبيه من طرف مفتش الشغل، كما يمكن للمحكمة في حالة العود أن تصدر حكمها بالإغلاق النهائي للمؤسسة وما يعاب على هذه المقتضيات القانونية أن هناك تأخير في تدخل مفتش الشغل و رئيس المحكمة الابتدائية، الأمر الذي يهدد صحة الأجراء ويعرضهم للخطر أكثر، فمتى سيتدخل القضاء ليضع حدا لهذا الخطر، وأين هو مفتش الشغل من واقع العاملات الزراعيات ؟
كما ألزم المشرع المشغل بإحداث لجان للسلامة وحفظ الصحة في المقاولات الصناعية والتجارية و مقاولات الصناعة التقليدية والاستغلاليات الفلاحية والغابوية وتوابعها وحدد اختصاصاتها في المادة 338 من مدونة الشغل ومن بين هذه الاختصاصات استقصاء المخاطر المهنية التي تهدد صحة الأجراء العمل على تطبيق النصوص التشريعية و التنظيمية في مجال السلامة والحفاظ على سلامة البيئة داخل المقاولة و محيطها.
فأين لجنة السلامة وحفظ الصحة من واقع هؤلاء العاملات الزراعيات ؟
حيث تتعرض هؤلاء العاملات في الصباح الباكر في {الموقف} إلى السرقة، التحرش الجنسي، الاغتصاب، العنف وكذا حوادث السير فمن المسؤول عن أمن هذا الفضاء العمومي ؟
ومما لاشك فيه أن العاملات الزراعيات يذهبن إلى العمل في ظروف لا إنسانية عبر شاحنة “البيكوب” أو “207”، والتي هي في الحقيقة وسيلة لنقل البضائع وليس الإنسان، ناهيك عن ازدحامهن نتيجة العدد الغير القانوني الذي يحمله السائق كما يتعرضن هؤلاء العاملات الى التحرش الجنسي من طرف سائق “البيكوب” و “الكابران “، وأيضا من طرف المشغل وهذا في حد ذاته يعتبر إخلالا من طرف هذا الأخير بالتزام قانوني فرضته عليه مدونة الشغل من خلال المادة 24، وهو مراعاة حسن السلوك والأخلاق الحميدة حيث يجب أن يسهر المشغل على استتاب الآداب العامة داخل المقاولة بحيث أن تحرشه بالأجيرات يعد خطأ جسيما يصعب إثباته و مبررا مقبولا لمغادرة الأجيرات لعملهن و تكيف مغادرتهن في هذه الحالة على انها فصل تعسفي حسب المادة 40 من المدونة.
ان اغلبية العاملات الزراعيات غير مسجلات في صندوق الضمان الاجتماعي وبالتي يكابدن الاقصاء من التعويضات والتغطية الصحية و العائلية و من التعويض الصحي عن حوادث الشغل هذا الوضع ذاته حرمهن من الاستفادة من المساعدة الاجتماعية للدولة.
وبالتالي أماطت كورونا اللثام على واقع التفاوتات الصارخة في التمتع بالحقوق بين المواطنين، خاصة الحق في السلامة الصحية والحق في حياة مهنية قانونية والحق في نمط عيش سليم بعيدا عن العنف.
ولازالت معاناة المرأة المغربية مؤكدة خلال الحجر الصحي و كذا قبله، لكن ما يهمنا الآن “المغرب ما بعد الكورونا” فلا بد من إحداث ثورة فكرية اجتماعية و سياسية و كدا اقتصادية وإعادة بناء نسق جديد لترسيخ العدالة الاجتماعية التي تخول للمرأة والرجل على حد سواء العطاء في ظروف تحفظ حقوقهم و حاجياتهم فيجب على المؤسسات الإيديولوجية والزجرية توقيف هذا النزيف بداية من المدرسة و الشارع و المنزل باعتماد مقاربة تربوية وتعزيزها بمقاربات اقتصادية و اجتماعية ونفسية وكذا مقاربة عقابية زجرية، لضمان حماية المرأة من الاقصاء والتهميش الاجتماعي، فهل تغير تصور المجتمع لمكانة ودور المرأة المغربية خلال هذه الجائحة ؟
سلمت يداك أختي دنيا على هذا المقال الرائع ،أتمنى لكي مزيدا من العطاء .
موضوع هام تناولتي فيه جميع الحيتيات ،سواء من الناحية القانونية ،أو الإجتماعية ،أو النفسية ،للعاملات ،ومايكابدن من معانات . تحياتي