كُتّاب وآراءمجتمع

من سخرية القضاء والقدر

عبد العزيز العنزاوي

في مشهد سريالي لافت! على خلفية إعطاء الانطلاقة للملتقى الدولي للواحات بمناطق المغرب الصحراوي، وعلى باب قاعة العروض والندوات بأسا، والتي تضم بعض الشيوخ والمقدمية وبعض المسؤولين والمتطفلين على المجال الواحي، ينطلق رئيس الجمعية المنظمة في حالة هستيرية ليمنعني من ولوج القاعة المخصصة لاستقبال السيدة الوزيرة الوديعة نزهة بوشارب، وزيرة إعداد التراب الوطني والسكنى والتعمير وسياسة المدينة المعينة أخير…

مشهد كان كافيا للتأمل من ذوي الألباب، حيث أن الممنوع من الحضور هو واحد من كبار الملاكين بواحة أسا، والمانع شخص لا يملك نخلة واحدة بذات الواحة أو حتى غيرها من “مناطق المغرب الصحراوي” حسب شعاره الاسترزاقي، مشهد لم أستغربه، ولا أبرئ نفسي من المساهمة في إفرازه باسم الصداقة والتعايش والانتصار للأخلاق الإنسانية والكونية، وعديد الشعارات التي كانت مذهبي، قبل أن أعلن تمردي، لأنها لا تجلب سوى الذل والهوان، في مجتمع رذئ.. مجتمع “لا دين.. لا ملة”.

بعد وابل من الشجار؛ دخلت القاعة دخول الفاتحين؛ غير أن نشوة الفتح سرعان ما أذهبتها مشاعر الاندهاش لما ورد في كلمة رجل يفترض أن يكون سياسيا، وأبا لكل مكونات مجتمعنا الإقليمي القبلي الأيتوسي والأسوي؛ وهو رئيس المجلس الإقليمي الذي تفتق فمه بترحيب تلاه وابل من المغالطات التي اعتبرتها جرائم في حق التاريخ، والإنسانية، وواقع مدشرنا المنكوب.

واصلت الاستماع… وجالت بي مخيلتي في أرجاء الواحة المتهالكة؛ جولة تخللتها أسئلة مشروعة، عن ما قدمه هذا المجلس وغيره، ليشفع له بالحديث عنها؟ الواحة التي تئن تحت وطأة الكوارث الطبيعية والبشرية؟ بالنظر إلى ميزانيات سنوية قدرت بالملايير، وعدت أدراج الرياح! أو كما يشاع: “مشات كلها ندوات وطائرات وسياحة وملحة وطعام..”؟

غادرت اضطرارا حتى لا أكون من الشاهدين يوم القيامة على جريمة أخرى من جرائم هؤلاء المتحذلقين، مع احترامي للوديعة، وبعض الحاضرين. مَشَيْتُ الهويْنا، وأنا أدقق في تفاصيل عملية اغتيال الواحة السعيدة، وما بقي في قصرها من حشاشة وأطلال!
استحضرت بأنفة الأساويين مثلا شائعا مفاده: إجي بويا من الصوكَ .. وتعطيه أمّي لخبار… اتعالي يا أمي نوريك دار اخوالي…” مازلت أرددها حتى اهتدت فطرتي إلى قول سيد الأنام: (سيَأتي علَى النَّاسِ سنواتٌ خدَّاعاتُ يصدَّقُ فيها الكاذِبُ ويُكَذَّبُ فيها الصَّادِقُ ويُؤتَمنُ فيها الخائنُ ويُخوَّنُ فيها الأمينُ وينطِقُ فيها الرُّوَيْبضةُ قيلَ وما الرُّوَيْبضةُ قالَ الرَّجلُ التَّافِهُ في أمرِ العامَّةِ).

فها هي ذي الرويبضة نطقت، وأشراط الساعة الكبرى ظهرت، وماذا بعد؟

لن أقول أكثر مما قاله أبو العلاء المعري عندما ضاق بسفاهة أهل المعرّة:

وطاولتِ الأرضُ السماءَ سفاهةً
وفاخرتِ الشُهْبَ الحصى والجنادلُ

فيا موتُ زُرْ، إنَّ الحياة ذميمة
ويا نفسُ جِدِّي، إن دهرَك هازلُ

أما القيمون على النشاط فحسبي أن أسائلهم عن ما قدموه للواحة غير الاسترزاق باسمها وهي منهم براء، وماذا قدمت الندوة الدولية الآكذوبة غير كلام بين بضعة أشخاص، وسُمّي زورا بندوة دولية!!! ندوة بملايين السنتيمات تسائل الشركاء الداعمين عن الفائدة والجدوى من هدر المال العام؟ وما علاقة أصحاب الجمعية بالواحة؟ إنها والله من سخرية القضاء والقدر!

أسا بتاريخ: الجمعة 13 ديسمبر 2019م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى