سلوكات رمضانية
محمد الصديق اليعقوبي
في شهر باتت تقدس فيه مائدة الإفطار، في شهر تنحو فيه مقاصد الصوم من تعزيز قيم ترشيد الاستهلاك لطغيان الإنفاق المفرط، وفي شهر تصرف فيه ذخيرة العام في تلاثين يوما و تكثر فيه مظاهر الأكشن.
مشادات هنا وهناك، وإكراهات إستهلاك كثيرة يقابلها ضعف القدرة الشرائية ،هكذا أصبحنا نعيش الوضع في هذا الشهر الفضيل، متجاهلين أنه منحة ربانية الغرض منها التقرب إلى الله تعالى بالطاعات وترك الشهوات، وليس بملء موائد الإفطار بشتى أصناف الطعام، حيث أن أغلبية الموائد باتت تجسد حقيقة إسراف مفرط تشهد عليها ساعة الإفطار.. ولا شك أن مظاهر التبذير هذه و التي تظهر بشكل عام في شهر رمضان أساسها انعدام التربية الاستهلاكية، تلك التربية التي تحارب التبذير في الإستهلاك والمغالاة فيه، زد على ذلك الجوع والبطون الفارغة، فحين يتسوق المرء وهو جائع يشتري عددا أكبر وكميات أكثر، فبالبطون الخاوية، نشتهي كل شيء و بالتالي نشتري كل شيء و في الأخير نرمي بالنصف الآخر طبعا هذا بعد طبخه بالغاز المدعم الذي سوف ينزع عنه الدعم في الشهور المقبلة ومعه تنزع جلدة المغاربة المستضعفين ولا أشد تبذيرا من هكذا تبذير..
فيستحسن بالمرء أن يشتري بعقله لا ببطنه، والحلي ألا يتبضع إلا بعد الإفطار خلال رمضان و في باقي شهور السنة لا تقصدوا السوق و بطونكم فارغة.. كما على الإنسان تجنب عرض مائدة إفطاره، فهناك المقتصد، وهناك قصير اليد، وهناك عاملون و طلبة بعيدون عن عشهم يتفننون من هنا وهناك حتى يصنعوا مائدة إفطار بسيطة جدا.. ففريضة الصيام لم تفرض عبثا إنما فرضت لنحس بالمساكين ونوثر على أنفسنا ونعطي لا لنصور ونتباهى بالأطباق، فنجد البعض يعرض فطوره بدافع التصوير والنشر في مواقع التواصل الإجتماعية، تحدثا بالنعمة، أو تباهيا، أو لنقص كلها أسباب مفترضة، بل وربما أحيانا تواضعا فغالبا ما نجد الصور مدرجة تحت العنوان العريض “فطـــــــوري المتواضع”..
فمن الأصل الذي هو تزكية النفس والإحساس بالمساكين بات شهرا القصد والغرض منه التباهي وكثرة الأطعمة و العصائر و السهر و المسلسلات و الظهور قليلا بالمساجد و (الترمضين) والمشادات ، فخرجة واحدة خلال هذا الشهر العظيم الفضيل تصيبك بالقرف والغثيان، تدافع خلال الصباح لاقتناء متطلبات اليوم وكأنه يوم الحشر.. كلام ساقط تلتقطه الآذان من كل الاتجاهات دون خجل أو حياء .. وصراعات ولكم وسب وشتم … لا تخلو ساعة إلا وتجد نفسك تعيش موقفا تراجيديا بمعنى الكلمة .. وكأنهم يصومون تفضلا وتمننا .. فحتى السلام حين تبادر أحدهم بها يرد عليك بوجه واجم متجهم مقطب الحاجبين يثير في نفسك الرعب.. تصرفات رمضان منها براء.. لاتشبه في أخلاق المسلمين شيئا.. وإن كان الصوم تفضلا و(بالجميل) كما يقال، ولإزعاج بال الخلق فما على صاحبه إلا ان يأكل ويشرب هنيئا مريئا فربما قد يكون في ذك أقل الضرر والله أعلم..
فرمضان أوله رحمة، ووسطه مغفره، وآخره عتق من النيران.. لا كله إسراف وتباه وصراعات لا منتهية ومشادات..
فالصيام يتنكر من تصرفات كهذه،إذ هو في أصله يدعوا للحلم والقناعة ويروض على التحلي بالأخلاق وجهاد النفس والإحساس بالآخرين، وكف الأذى عنهم..وتمسكا بمقاصد الصيام، على الصائم أن يعود نفسه إتقاء لفلتاتها على تكرار قول “اللهم إني صائم”، كونها تذكر النفس والآخر بشعيرة إسلامية تمنع من التمادي.. ونظرا بعين الإصلاح كفاكم إفطارا في رمضان صوموا يهديكم الله، صوموا الصيام الغير المقتصر على الإمتناع عن الأكل والشراب، وإنما المتجلي في التعفف بكل الحواس والجوارح والألفاظ والسلوكيات، فهذا هو معنى الصوم الحقيقي،فصوموا يرحمكم الله..